"عمى البصيرة" بقلم:شريف صعب_أبوسنان
2014-07-06 23:45:59

لم يستوعب الزّغلول الصّغير الّذي فقس،على التوّ،من البيضة المنقّطة بالنّقط السّوداء في عشّه الحصين،في أعلى شّجرة الخرّوب الّتي بجانب بيتنا،لم يستوعب جمال هذا الكون الّذي خرج إليه...فقد لاطف النّسيم العليل رأسه ومنقاره وبهرته الطّبيعة الغنّاء بعطرها وبجمالها،بليلها وبنهارها،بشمسها وبقمرها وبزقزقة  عصافير الرّوض النّديّ من حوله.
راح ينمو من يومٍ إلى يومٍ وهو يندهش أكثر فأكثر بهذه الطّبيعة السّاحرة...ووالداه،العندليب والعندليبة،يروحون ويأتون إليه مُحمّلين بأشهى أنواع الطّعام الّلذيذ الشّهيّ كالصّراصير والفراش والذّباب...وأصناف الدّيدان والفاكهة.
لقد فاقت سعادته وإعجابه بنفسه كلّ الحدود وهو يكبر مع مرور السّاعات والأيّام...والرّيش يتكاثف على جسده الغضّ! لقد كبر وأصبح لا يرى من الدّنيا إلّا "وسع طبقٍ" صغير من القشّ فازداد إعجابه بنفسه، فراح يرفرف بجناحيه الصّغيرتين ويصفّق بهما،،ويحرّك رأسه بشكلٍ دائريٍّ وقويت عضلات جسمه،الصّغير في نظرنا والكبير في عين ذاته،وطمح كما يطمح كلّ مخلوقٍ إلى تحقيق أُمنياته...خصوصًا بعد أن شاهد أبويه يطيران إلى الأعالي،يغرّدان ويرقصان كعاشقَين ولهانين في الهواء الطَلق، وكأنّ الكونَ قد خُلق من أجلهما...على وقع موسيقى ملائكة السّماء الّتي لا يسمعُها إلا ذواتُ الجناح!
كبُرت منافسهُ وزادت ثقته بنفسه وأراد أن يجرّب حظّه، دون أن يعلم...أنّ هناك من يتربّص به فقد كانت نظراته دائمًا إلى الأعالي،ولم يكن يعلم أنّ المخفيّ أعظم بكثيرٍ من المرئيّ!!!
لم يعد العندليب الصغيريُطيق حرارة العشّ أو...حرارة جسمه ولم يدرِ أنّ جناحيه ربّما لا تستطيعان بعد حمل جسمه النّحيف وأنّ للطّيَران فنونه،ولكنّه أراد المجازفة!
في صباح أحد أيّام الرّبيع الدافئة غامر وبادر فطار من عُشّه...وسقط تحت شّجرة الخرّوب،على الأرض حيث كان يتربّصُ به الموت الزّؤام...مُتقمّصًا جلد قِطٍ أسودَ،خائرِ البطن...من شدّة الجوع!

وسرعان ما تحوّل عندليبنا الحزين إلى أكلةٍ شهيّةٍ سدّ قليلًا من رمق ذلك القطّ وهولم يذق بعد طعم الحياة وملذّاتها.
خلال سويعاتٍ قليلة عاد العندليب المسكين إلى مثواه الأخير الّذي جاء منه..رغم توسّلات والديه المفجوعين...تمامًا كشابٍّ يانعٍ امتطى صهوة..."فسبته" أو"تراكترونه" وطار،على غير هدىً،دون أن يدري أنّ"عزرائيل" ينتظره عند مفترق الطّريق ليحوّله...إلى ترابٍ هامدٍ خلال أيّامٍ، كما حوّل أسلافه من قبله!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق