واقعية الطرح العرفاني بقلم كميل فياض
2014-06-28 11:11:30

أقول استباقاً .. ان ظهور هذا الطرح هنا ساذجا وفوقيا وغير واقعي وما الى ذلك ، كظهور السماء بعيدة لا تطال وهي تلامس الأرض وتطوقها .. ان تبدي هذا الطرح هنا للبعض او للمعظم طرح اسطوري غير معقول ومجرد فلسفي أدبي يعالج خفايا خيالات  وأشباح أفكار ، كتبدي خفاء الهواء على الابصار وهو من اهم اسرار الحياة واسبابها في كل لحظة من لحظاتها ..
إذن المبرر للخوض في الموضوع العرفاني ليس فقط منطقي وشرعي واقعيًا ، بل ضروري ..
عليه أسأل .. هل يمكن ان يكون للتوجه العرفاني عمومًا ، دور في الحياة الاجتماعية والسياسية ..؟
أم هو رؤية خاصة قاصرة دون ذلك ؟
أقول : أيا يكن الجواب .. فمن الواضح ان تاريخ البشر – أفراد وجماعات – آخذ بالانحراف أكثر فاكثر بعدا عن الذات وعن الوعي الأساس ، وهذا بالذات ما جعل بعض المفكرين العرفانيين يرون ان مزيد من الابتعاد والانحراف عن جوهر وجودهم ، هو بالذات ما سيجعلهم يعودون .. يبحثون يتمردون على انفسهم في سبيل خلاصهم ، وبفعل قانون جدل الاضداد ذاته ، حيث النقيض يولد النقيض ، ان لم يكن في المدى القصير سيظهر في المدى البعيد ..
نعم مزيد من المعاناة والألم والغربة في الجحيم التاريخي المستمر .. سينتهي بنا الى نقطة البيكار التي تمثل الوعي الأساس وكمنطلق وغاية لكل توجه في النهاية ..
فأي صراع وأي توجه دون الكشف ، او على الأقل دون السعي للكشف عن حقيقة الوجود وعن وعي الوجود ، وهما شيء واحد .. فان هذا الصراع وهذا التوجه يكون قائم على إعادة إنتاج الازمات ذاتها والمشاكل ذاتها بصفة حلول .
لكن لا يمكن ان نجد الحلول لصراع الاحلام تحت تأثير المنوم التاريخي لوجودنا الأرضي وهو عقلنا الايغوئستي نفسه ، الا بالاستنارة والتيقظ منه على الحقيقة .
هذا ما يجري في الواقع للافراد والجماعات عبر التاريخ .. فالصراع بين الافراد كما بين الجماعات على السواء يقوم على الايغو وعلى النفوذ والظهور والغلبة ، وذلك في غياب الوعي الأساس ، الذي هو وعي الحياة ذاتها التي تجمع في تضاعيفها المكنات المختلفة بتناقضاتها ،والتي لا تنحل – في الافراد والجماعات - الا بالكشف عن ماهيتها كوعي محض مطلق يتجاوز كل تفكير ..
تماما كما تختفي أشباح الليل واحلامه اللذيذة والرهيبة ، بطلوع الصباح .
ففلسفة العرفان – اذا صح ان نسميها فلسفة – هي فلسفة الحياة خارج كل معتقد ودين وطقوس وتعصب وعنف وتكفير ، فهي تجربة كشف روحي جدلي ، تعترف بالواقع وما له وعليه ، وبالطبيعة وما لها وعليها من توازنات حسية وبيلوجية ، ومنها ينبع فرح الحياة ونور الحقيقة .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق