بين الايمانيين والعرفانيين بقلم كميل فياض
2014-05-26 10:18:23

اولا أسأل : هل يمكن للمرء ان يكون على معتقد معين وعارفا مستنيرا في آن ؟
هل يمكن الجمع بين ان يكون المرء تابعا لمذهب ديني معين ،
وبين ان يكون عارفا متحررا – بالمعنى العرفاني الخالص - ؟
ربما يمكن ذلك .. لكن لو ان عارفا ما قيَّد نظرته للوجود وأشرطها بمباديء المذهب الذي ينتمي اليه تاريخيا واجتماعيا ،
سيتصادم مع نفسه عند كل مواجهة سياسية واجتماعية لمن ينتمون الى مذاهب اخرى مختلفة .. وسيضطر الى ان يختار ويحسم موقفه ..
إما لصالح الحقيقة التي تأتي من الكشف العرفاني الخالص – وهي تشمل جميع البشر -  وإما لصالح مقتضيات العقيدة التي يعتنقها قومه – وهي تمثل فئة من البشر –
عمليا هي إشكالية يواجهها كل مثقف حقيقي  بالمعنى المختلف والعام للكلمة ، وليس العارف العرفاني حصراً ..
الاشكالية ليست سهلة ، فقد تحوِّل المثقف بهذا المستوى بلحظة محرجة الى فريق ( أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) بالمغزى الجاهلي ،
او تجعله خارجًا عن السرب ومنبوذاً ..
فهل "التقية والاستتار بالمألوف عند أهله " هي حكمة سياسية لا بد منها في المواقف المحرجة ..؟ على فكرة هي سياسة  تستعملها الدول ايضا في الواقع
– خصوصا الغربية – تحت تسمية اخرى ، هي الذرائعية ، حيث تتم بها الاتلافات والاختلافات حسب مقتضيات المنفعة الخاصة لتلك الدول،
 وليس حسب الحق الانساني العام  ..
من الواضح ان الاخلاص للجماعة – أحيانا – يكون خيانة للحقيقة ، بينما ولا مرة يكون الاخلاص للحقيقة خيانة لاحد .. لأن الحقيقة خير للجميع بنفس الدرجة ..
وليس فقط  للعارفين ..
من الفروق بين الايمانيين والعرفانيين :
اولا وسائل المواجهة للمخالفين والمختلفين .. عند العرفانيين الوسيلة دائما وبكل الاحوال هي الفكر والحب ، ويشكلان معا المعرفة العرفانية .. في حين يستعمل مختلف
أبناء المذاهب الدينية مع المختلفين معهم ، التعصب والكراهية والعنف ، وهي تشكل معا الجهل والظلامية ..
مواجهة العارف للواقع ، تنبع من جدلية بين مقتضيات الحدث الراهن ، وبين نظرته الوجودية العرفانية الانسانية العميقة والشاملة ..
بينما مواجهة المؤمن المذهبي للحدث الراهن ، تدخل فيها مباديء وعادات ونظرات ومؤثرات تاريخية ، قد تعود به لالف سنة او لآلاف السنين ..
وهكذا هو لا يواجه المشكلة بحلول منطقية واقعية معظم الاحيان ، ونحن شهداء على ذلك فيما يجري في سوريا  - مثلا – في الوقت الراهن ، وفي العراق ولبنان..
 ، وفي معظم الدول العربية والاسلامية ..
فالمواجهة للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، تجري عند معظم أبناء مختلف المذاهب  على خلفيات عقائدية ايمانية ماضية وساحقة ،
 لا تمت لمشاكل الواقع بصلة حقيقية .. انظروا الى تلك الفئات (الجهادية) لباسها مظهرها الفاظها مصطلحاتها شعاراتها احكامها ، حتى بعض ادوات قتالها ،
 من الماضي السحيق ..
والعرفانية التجاوزية التي نتحدث عنها ونحاول  شرحها بالامثلة قدر المستطاع ، هي تحرير للعقل من المضامين والمربعات الدينية  والمذهبية وسواها ، التي تنشأ داخلها
الذهنية والنفسية المنطوية على مكنة التعصب والكراهية والعنف ضد المختلفين .. فكم ارجو ان يتبنى هذا التوجه وهذا النهج كل من يعد نفسه إنسانا ومثقفا ،
 بين جميع الفئات والاقوام ..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق