أول العرب . . هم الفلسطينيون
و آخر العرب . . هم الفلسطينيون
و بينهما لا يوجد أحد .. ولا يوجد شيئ . .
أول كلمة في التاريخ العربي تبدأ بحرف ( الفاء ) .
.
و آخر كلمة تنتهي بحرف ( الفاء ) . . و بين ( الفاءين) حفرة عميقة . . عميقة . . تبدأ بوفاة رسول الله محمد بن عبد الله ، و
تنتهي بوفاة المروءة العربية بالفالج الكلي لا النصفي . .
أول حدود الشرف هم الفلسطينيون .
. وآخر حدود الشرف هم الفلسطينيون .
. و بينهما قوم عاهدوا الله على أن لا يشهروا سيفاً .
. ولا يمتطوا فرساً .
. ولا يحموا عرضاً .
. ولا يردوا معتدياً . .
و لا ينصروا جاراً
. . ولا يستقبلوا فلسطينياً إلا بعد تجريده من صوته
. . ومن غضبه .
. ومن سلاحه و بعد الوساطة و الرجاء و تقبيل الأيدي . .
برحيل الفلسطينييين إلى أقدارهم الجديدة ، يرحل الجزء المعافى
، و الشجاع ، و الفاعل ، و المتحرك من الأمة العربية ، ويبقى
الجزء المريض ، و المشلول ، و المعاق . .
يذهب الذين يصنعون الحلم ..
و يبقى الذين لا يحلمون بشيئ . . ولا يفكرون بشيئ .. سوى الحكم و التحكم ..
يذهب المدافعون عن شرف الأرض .
. و يبقى الذين يقشرون البصل في مطبخ الهزيمة . .
يذهب أصحاب الرؤية و البصيرة .
. ويبقى الحشاشون .
. يذهب المقاتلون و يبقى الهاربون من الجندية . .
يذهب الذين يعانقون بنادقهم و ينامون
.. و يبقى الذين يعانقون جواريهم . . و يشخرون .
.يذهب الذين يحملون السلاح . .
و يبقى الذين يحملون حقائب ( السامسونايت )
. . و يأخذون كومسيوناً عن كل ذرة رمل . . وكل شجرة . . و كل طفل يبيعونه من أطفال هذا الوطن . .
يذهب الذين كانوا يوقعون على كتاب التاريخ .
. و يبقى الذين يحسبون فوائد اشتثماراتهم و أرصدتهم المصرفية . .
يذهب الغاضبون .
. و يبقى الصرافون ،
و الوسطاء ،
و المقاولون السياسيون .
. وباعة المبادئ المتجولون . .
يذهب الرجال إلى الحرب .
. و يبقى أهل الكهف في فراشهم ، يتثاءبون .
. و يفركون أصابع أرجلهم ، و يضاجعون نساءهم حسب تسلسل الحروف الأبجدية . .
يذهب الذين كانوا يلعبون بنار الكواكب .
. و يبقى – و لا تؤاخذوني على قلة أدبي – الذين ( يلعبون بخصياتهم ) ! !
بعدهم سيبقى ترتيب الأشياء كما كان . .
ونظام الأفكار كما كان .
. و قانون السخرة كما كان . .
و طعم الكرباج على ظهورنا كما كان . .
بعدهم . .
لن يجرؤ أحد على أن يرمي إسرائيل بحجر أو بوردة .
. أو يمسح الكحل عن عينيها . .
بانكسار السيف الفلسطيني . .
ينكسر الزمن العربي . .
فلا يبقى جمعة . . و لا أربعاء . .
و لا يبقى صيف . . ولا شتاء . .
ولا يبقى موسم قمح . . ولا موسم كبرياء . .
بغياب شمس الفلسطينيين . .
يدخل العالم العربي في الكسوف الكلي . .
و يجف حليب الثورة . .
و يموت أولادها . .
" نزار قباني"