تحالف قوى الرجعيّة مع المحافِظة بقلم راضي كريني
2014-02-25 17:04:09

لم يبدأ الصراع بين دعاة النهضة والتحرّر والتقدّم بكرامة وطنيّة نحو العدل الاجتماعيّ وبين القوى الرجعيّة (التي تريد إرجاع المجتمع إلى عهد سابق) والمحافِظة (التي تريد الحفاظ على الوضع القائم) اليوم، ولن ينتهي في الغد، ولن يختفي مِن معاركنا بشكل عامّ، ومِن معارك الجماهير العربيّة الانتخابيّة بشكل خاصّ؛ بل يحتدم فيها الصراع ويتّخذ أشكالا مختلفة، ويزداد حدّة وضراوة، نتيجة وتوظيفا لما تعانيه الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة الإسرائيليّة المضطهدة من تفاقم أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، في زمن هيمنة اليمين الصهيونيّ المتطرّف على الحكم والشارع الإسرائيليّ، وتثبيت احتلاله وقمعه وسيطرته على الأراضي الفلسطينيّة والسوريّة المحتلّة، وتأثيره (إلى درجة التحكّم) في مجالات التنمية، ومناهج الحياة والسياسة، ووسائل الإعلام محليّا وإقليميّا وعالميّا.
بالرغم مِن تقدّم الأقليّة العربيّة في إسرائيل، وتطوّرها واندماجها الجزئيّ في المجتمع الإسرائيليّ، وبروز فئات رأسماليّة ووسيطة، ونموّ كوادر ثقافيّة ومهنيّة و...؛ إلا أنّها ما زالت تحتفظ في داخل بنيتها الاجتماعيّة بكثير من ظواهر العشائريّة والقبليّة والمرحلة الإقطاعيّة والتخلّف والتحفّظ.
كشفَت انتخابات السلطات المحليّة الأخيرة أنّ القوى المحافِظة في الوسط العربيّ، التي تدافع عن الوضع القائم وترتاح له وتستأثر به وتخاف من التغيير وتعيقه، والتي تتغذّى على العمالة والوساطة والوكالة للرأسمال الصهيونيّ، قد وجدت في حركات الدين السياسيّ التي تتمسّك بالسيرورات والمبادئ القديمة والفكر الرجعيّ، وتنشط كي يعود المجتمع إلى جذوره الإقطاعيّة والأبويّة، وجدت فيها حليفًا قويّا في معركتها ضدّ القوى التقدّميّة والعلمانيّة والليبراليّة والديمقراطيّة والنهضويّة من اليساريّين والقوميّين المتنوّرين.
يرى المتتبّع لخطابات وتصريحات هذين الفريقَين-الرجعيّة والمحافظة- أنّها متطابقة في تطرّفها، وفي استغلالها للهامش الديمقراطيّ، وفي استخفافها بالنخب المثقّفة وحِكمتها، وفي استغلالها لوسائل الإعلام للتعبئة ولإيهام الناس بأنّ هناك حاجة "لثورة"، وأنّ ثمّة مصلحة مِن أخذ السلطة المحليّة ووضعها تحت تصرّف "الغالبيّة" الشعبيّة أو القوميّة أو الدينيّة أو الطائفيّة، بدون فصل بين المؤسّسات والسلطات والمسؤوليّات و...وهكذا تتحرّر السلطة من "ترف" الليبراليّين والديمقراطيّين والعلمانيّين وتقاليدهم، وتتوحّد الصفوف حول الفوضى والعبثيّة والارتجاليّة، وتتّخذ التدابير والإجراءات اللازمة للانتقال من حركة رجعيّة إلى حركة متطرّفة تدعو إلى إعادة المجتمع إلى حكم الماضي وحِكْمة المختار والوالي والملك، وبالتالي إلى تقديس الكلام وشرائع حمورابي.
 يحاول بعض المستأثرين بالدين السياسيّ الرجعيّ وبالمال السياسيّ المحافظ استثمار الوضع السياسيّ والاقتصاديّ الصعب في بلداتنا العربيّة؛ كي يعيدوا أمجاد نظام القبيلة والعشيرة كنظام حكم مثاليّ يحقّق المجد للغالبيّة العائليّة أو الطائفيّة أو الدينيّة، ويدرّ الربح والدولارات، ويوسّع دائرة الإعفاءات من الضرائب والرسوم، ويؤمّن السلم والعدل الاجتماعيّ! هكذا كان خطاب زعيم النازيّة هتلر؛ من أجل إسقاط حكومة وجمهوريّة فايمر وإحكام سيطرته على مقاليد الحكم؛ من أجل إعادة مجد الأمّة الألمانيّة وتخليصها من السياسات العدائيّة ومن العقوبات والأزمات الاقتصاديّة وتقليص نسب البطالة المتفشّية في المجتمع.
لذا، علينا أن نتحمّل المسؤوليّة ونعمل على تطوير وإبراز دور الجبهة الديمقراطيّة وحلفائها في هذه المرحلة المعقّدة، كإمكانيّة مفتوحة لاستيعاب نقائض فكريّة ثانويّة من شيوعيّين ووطنيّين وعمّال وأكاديميّين وفنيّين و... الذين يسعون إلى تأكيد إنسانيّة الإنسان كمضمون تقدّميّ وخيّر وحرّ، في تصدّيهم لتحالف قوى الرجعيّة الظلاميّة المتحالفة مع وكلاء المال السياسيّ والتخلّف الاجتماعيّ والجمود الفكريّ والاستبداد السلطويّ.

 


 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق