عندما كانَ النّسيمُ عليلاً... والحُبُّ حُبًّا حقيقيًا.... بقلم : شريف صعب ـ أبوسنان
2013-12-23 21:46:28

عندما كانَ النّسيمُ عليلاً... والحُبُّ حُبًّا حقيقيًا.... بقلم : شريف صعب ـ أبو سنان
عزيزي القارئ ، لقد تغنّى الإنسان دائمًا والأدباءُ والشعراءُ بشكل خاص والمُلهمون ، تغنَّوْا بأصوات الطيور المغرّدة في الحدائق الغنّاء وبالنّسيم العليل الذي يلفَحُ وجوهَ الأحبّة... وبالحبّ للحبيبات اللواتي طالما طال الشوق لهنَّ ... وبالطبيعة الخلابة ، فهذه الأمورُ كانت في الماضي أموراً أساسيّةً في حياة بني البشر على اختلاف أجناسهم وأحوالهم ... عندما كان الإنسان أقرب إلى الحياة الطبيعية البريئة البسيطة التي لا طمعَ فيها ولا جشع !!  فالتغنّي بالهواء العليل الطّلِق كان من أهمّ أركان الأداء الإبداعيّ العاطفيّ ، لأنّه ، فعلاً ، كان الهواء طلقًا ، عليلاً ، ناعمًا ونظيفًا يتنفسّهُ المرءُ فيملأُ ُ رئتيهِ ثمّ يدُبُّ في النّفس والجسد راحة ... ويُشفي العليلَ !
والنبذةُ الشعبيّة تقول إنّهُ عندما كان القائدُ صلاحُ الدين في شمال فلسطينَ وأُصيبَ بوعكةٍ صحيّة " برديّة " قيلَ لهُ :" أقمْ في تلّة خرّوب أبي قيس ، شرق أبو سنان .... وستُشفى !"
وبالفعل ، حسب الرواية ، شُفِيَ من حالتهِ المرضيّةِ !
 أما اليوم ، فلا طعمَ للنّسيم الذي نتنفسّهُ حيث أنّ هذا الهواء ... ليس هوانا ، فهو مُسَمَّمٌ وملوَّثٌ بالمواد الكربونيّةِ الهائلةِ وغيرها المُفرزة من آلاف السّيارات والتراكتورونات ( التي تصمُّ آذاننا أيضًا ) ومن المصانع والأجهزة الكهربائيّة والالكترونيّة التي ... تعمل في بيوتنا وتُسبّب لنا آلالام والأمراض التي لا ندري من أين مصدرها ... ثمّ ندفع الثّمن غالبًا في صحّتنا ، وعلى رأس حالاتنا المرضيّة الصّعبة " مرض السرطان " المتفشّي في حاراتنا أبعدهُ الله عنّا وعنكم !
ذلك بسبب كل ما ذكرت وبسبب الاشعاعات المُتملّكة في الهواء وخصوصًا من الأنتينات المُشرّعةِ فوقَ رؤوسنا !! فأين النّسيمُ العليل يا تُرى ؟!
أمّا الحبُّ ، فقد فَقَدَ كلَّ معانيهِ وأحاسيسهِ ، فهو كان يومًا حُبًّا حقيقيًّا أصيلاً ، نظيفًا ، شريفًا عَفيفًا ...  في نفوسِ شباب الماضي ، عندما كان المُحبُّ العاشق يتلهّف لرؤية حبيبته أو خطيبته ... ويتمنّى لو يلمحُها بطرف عينهِ ... عندما كان يتمنّى أن تَرطُمَ يدهُ ، ولو قليلاً ، بيدها ... عندما كانت الخطيبة ثوبًا نظيفًا ناصعًا ، ترتعش وتكاد أن تموت خوفًا ... حتى لا يشاهدها أحدٌ .... إذا وقفت مع خطيبها ... عندما كان آباؤنا وأجدادنا لا يقبلوا أن يجلس الخطيب مع إبنتهم ... أو أن يخرجا لأي مكانٍ ... إلا إذا كان ثالثٌ معهما ... عندما كانت القُبلةُ الأولى للخطيبة تسبقُها آلاف الهواجس وأرَقُ العيونِ والحسابات ... عند خطيبها ... عندما كان شرفُ الفتاة ونظافةُ العِرضِ ... من مُقدّساتِ الحياة ِ!!!
   أما اليوم ، فيا ويْلنا ويا ظلام ليلنا !!
   عزيزي القارئ الكريم ، أجلس أحياناً لأشاهد البرامج الترفيهيّة ، الخلاعيّة ، إنْ كان ذلك في التلفزيونات اللبنانيةِ أو غيرها وأسمع وأشاهد ما يدور فيها خصوصًا التحقيقاتِ مع الضيوف عن" القُبلة الأولى" ... متى حصلت وكيف ... وأين ... وَ... وَ ... وَ . !
أسئلة تشدُّ ولا تشدُّ إنتباهنا وخصوصًا شبابنا وشاباتنا !!
أمّا البرامج حول الأمور الجنسيّة ... والتفنّنات " التنفيذية " في هذا المجال فحدّث ولا حَرَج ... حتّى صِرنا نخجل من أنفسنا ومن بعضنا نحن جمهور المشاهدين ... والمخفي أعظم بكثير !!
   فأين الأدب وأين الأخلاقُ يا تُرى ... وماذا يُمكنُنا أن نتوقّعَ للأجيال القادمة بعدنا ، لا أدري !!!
هذا ناهيكَ عمّا يدورُ من أحاديثَ ورسائلَ ونِكات "إباحيّة " على شاشات الأيفونات والحواسيب من خلال شبكات التواصل " الكافرة !!"
وماذا بعدْ ، وماذا بعد أن أصبحتْ الكثيراتُ من الفتيات والنّساء تخرجن في سياراتهن دون خجلٍ أو وجل ... ودون أن يجرؤَ أحدٌ عن مُسائلتهنّ إلى أين !؟ ماذا بعد أن سمّموا لنا النّفوس والهواءَ الذي نتنفّسُهُ داخل وخارج بيوتنا وبدّلوه ُبهواءٍ ملوّثٍ سامٍّ مسمومٍ لعين !!؟ وماذا مع "الشّرف الرفيع" وأين هَيبةُ الرّجالِ على النّساءِ ... وأينَ... وأينَ .... وأينَ !؟
  فبربكم ، أيُّها المخترِعونَ ، حبّذا لو تأخذوا عنّا  اختراعاتِكم ... لأنها أصبحت عالةً علينا وعلى قلوبنا ونفوسِنا ، أرجوكم ... أن تأخذوها وأن تعيدوا لنا النّسيمَ العليلَ ... وقليلاً من الشّرفِ والحياءِ ، ميراثِ الآباءِ والأجدادِ ـ لأنّني ، والله ، قد أصبحتُ "أحنُّ إلى خبز أمّي ... وإلى قهوة أمّي وإلى أزيائها وإلى مُجدّرتِها " ... وإلى النسيمِ العليلِ !!!

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق