عندما يفقد الإسرائيليّ الثقة بمؤسّسات الدولة بقلم راضي كريني
2013-11-19 20:58:27

عندما يفقد الإسرائيليّ الثقة بمؤسّسات الدولة بقلم راضي كريني

الحكومة الإسرائيليّة الفاشلة هي مثال كلاسيكيّ للديمقراطيّة الفاشلة، وهي نسخة مماثلة لجمهوريّة فايمر، التي نشأت في ألمانيا بعد الحرب العالميّة الأولى، في السنوات 1919-1933، بالرغم من أنّ حكومة فايمر عالجت السياسات العدائيّة والعقوبات المفروضة على ألمانيا، وحلّت العديد من المشاكل والأزمات الأمنيّة والاقتصاديّة، واعتمدت دستورًا حضاريّا، من الأفضل في العالم، وخفّضت من معدّلات البطالة ومن نسب التضّخم، وطوّرت قوانين الضرائب؛ لكنّ الألمان فقدوا الثقة بها ودعموا أدولف هتلر ليُحْكم سيطرته على مقاليد الحكم في برلين ومن ثمّ على ....
فمهما تحاذق/تظاهر بنيامين نتنياهو-بيبي لن يستطيع إخفاء الفكر الفاشيّ المسيطر على السياسة الإسرائيليّة؛ فهو لا يسعى ولا يريد اعتماد سياسة جديدة، خصوصا وأنّ غالبيّة أعضاء الأحزاب الصهيونيّة والدينيّة في إسرائيل لا يلمّون بالقضايا الأمنيّة والاقتصاديّة، وهمّهم الأوّل كيف يرفعون نسبة التصويت لهم في الانتخابات الداخليّة؛ ليتقدّموا في المناصب الحكوميّة.
لا يعبّر أعضاء الأحزاب الحاكمة ونوّابها في الحكومة عن رأي الغالبيّة في الدولة، فهم يتحرّكون من منطلقات المصالح الذاتيّة الفئويّة والمحليّة والشخصيّة و...، وفي بعض الأحيان تكون هذه المصالح غير شرعيّة.
فغالبية أعضاء الأحزاب الحاكمة في إسرائيل لا يواجهون الأسئلة الصعبة، ولم يفضح الإعلام ضحالة تفكيرهم؛ فلم يوجّه لهم أسئلة حول أزمات إسرائيل السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، وحول كيفيّة التخلّص منها و... لذلك لا نراهم يجتهدون إلاّ في خدمة مصالحهم الذاتيّة والانتخابيّة؛ فأعضاء الأحزاب المشكّلة للحكومة يفضّلون مَن يرعى ويعزّز مصالحهم على مَن يدير البلاد ويخلّصها من أزماتها.
في إسرائيل، يصل إلى الحكم مَن ينشط في السياسة الميدانيّة، وليس المثقّف والواعي والعاقل والقادر على إدارة شؤون الدولة؛ رغم وجود العديد من المثقّفين الحاصلين على جوائز عالميّة قيّمة، وحتّى على جوائز نوبل، لكن لا يمكن لهؤلاء أن يتسلّموا مناصب وزاريّة ورياديّة مؤثّرة على عمليّة صياغة واتخاذ القرارات المصيريّة والإستراتيجيّة.
يصل إلى غرف القرارات في إسرائيل الناشط السياسيّ الميدانيّ، الذي يحظى بدعم مقاولي الأصوات، لذلك تعمل سلطات الدولة في بيئة شائكة ومكبلّة ومانعة لاختراق الحواجز وللبت الديمقراطيّ بالقضايا المطروحة أمامها، وهمّ الوزراء يدور في فَلك كيفيّة إرضاء أصحاب المصالح من مقاولي الأصوات وأصحاب رؤوس الأموال، وفي كيفيّة الظهور بصورة جذّابة وجيّدة في وسائل الإعلام، وفي كيفيّة رفع وتحسين نتائج استطلاعات الرأي!
ما يشغل وسائل الإعلام الإسرائيليّة الصهيونيّة هو كيف تسوّق النمائم، وتحسّن القيل والقال، وكيف تجعل السطح عمقًا، وكيف تثير فئة الإثارة، وكيف تتبّل الحدث لتغطّي على طعم الجوهر...
لذا، فالسياسة في إسرائيل مشوّهة ليس نتيجة لسيطرة نشطاء السياسة الميدانيّة ومقاولي الأصوات على الحكم فحسب؛ بل نتيجة لتفاهة وسطحيّة وسائل الإعلام التي تدفع إلى الانحطاط وإلى هروب وإقصاء ذوي الكفاءات العلميّة والإداريّة عن صناديق الاقتراع والمشاركة باللعبة الديمقراطيّة.
لذا، فإنّني لا أستبعد أن يستولي الفاشيّ الصغير ليبرمان على زمام الحكم، نتيجة لفقدان ثقة المواطنين بالديمقراطيّة، كما حصل إبّان صعود النازيّة وسقوط جمهوريّة فايمر؛ خصوصا وأنّ غالبيّة المواطنين يفقدون الثقة بالحكومة وبالكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) وبوسائل الإعلام وبالصحفيّين وبدور القضاء وبقيادة الجيش وبالشرطة؛ فهذا بالتالي يقدّم نشطاء السياسة الميدانيّة إلى الواجهة السياسيّة، ويبعد العقّال والمفكّرين والأكفاء عن دائرة القرار.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق