أزلام الرئيس ...!!بقلم : شريف صعب ـ أبو سنان
2013-10-31 18:15:05

... أزلام الرئيس ...!!بقلم : شريف صعب ـ أبو سنان- "قصة قصيرة"
كاد إطلاق النار يصمُّ آذان المواطنين الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر النتائج ، مع أن عددا ً كبيرا ً من الناس كان قد خلد إلى النوم ، خصوصا ً من كان سيذهب لعمله في صباح اليوم التالي . وقد رافق اطلاق النار اصوات قواصف كانت تدوي في الفضاء لعشرات ومئات الصواريخ النارية والمفرقعات  .
أذهلت الأصوات الكثيرين من قريب ومن بعيد وخصوصا ً الأطفال الصغار الذين كانوا نياما ً في هذه الساعة المتأخرة من الليل . حصل كل هذا ناحية حيّ "الوعر" الذي كان يقطن فيه "أبو عرب "المرشح الرئاسي .
وكباقي أطفال القرية استفاق أطفال الحي من هذه العاصفة الصاروخية وكذلك أطفال ابن القرية ساهر الذين هُم أيضا ً رقدوا في فراشهم وراح الطفل "سمير" ، ابن الثالثة يبكي بصوت خائف وكذلك سبع أخواته فلساهر سبع بنات وابن واحد رزقه الله إياه آخرهم "قريد العش". استيقظت الأم الحزينة ، زوجة ساهر ، مع أطفالها وهي امرأة مسكينة غلبها الدهر وحياتها كلها حياة فقر وقلة إمكانيات.
قام ساهر منفعلاً من شدة الفرح بعد أن انتبه أن الأصوات آتية من ناحية حي الوعر وفهم أن
أبا عرب  قد فاز برئاسة المجلس المحلي في القرية من الضربة الأولى وهو مرشحه " الأهم " ولكنه لم يكن مرشحه الوحيد حيث انه كان قد "قبض" قبل الانتخابات ... من ثلاثة مرشحين آخرين . على الفور حمل عكازه التي ورثها عن والده والتي يتكّئ عليها خلال مشيته خارج البيت .... وهو يعلم أن عمله هذا بالتظاهر بالإعاقة ... ليس حقيقيّا ً وإنما فقط... كي "يقمع" مؤسسة التأمين الوطني للحصول على اعترافٍ أبدي بإعاقة جسدية وللحصول على راتبٍ شهري دائم !!
خرج من بيته ، مهرولاً ، كقطٍ اشتم رائحة قطعة جبنة ، دون أن يغسل وجهه أو فمه وكذلك لم يغير ثيابه التي ينام بها يوميّاً وهي ثياب فضفاضة وبنطال ذو جيوب كبيرة . ذهب مسرعاً باتجاه حي الوعر قاصداً بيت أبي عرب الذي كان قد امتلأ بمئات وبآلاف المهنئين ...ممن صوتوا أو لم يصوتوا له .
بعد خروجه من البيت بدأت زخات شديدة من المطر التشريني القويّ مما اجبر ساهر على رفع عكازه واضعا ً إياها تحت إبطه وبدأ يركض وهو يقول :"يلعن أبو التأمين على أبو الفسادين... أي هو حدا شايفني في هالسيعة أو داير عليّ ...!" لقد بللّته زخات المطر واختلطت روائح جسده مع رائحة قطرات المطر الجديدة ... حتى أصبحت رائحته لا تطاق ... من شدة العفن وهو الذي لا يغتسل إلا مرة في الأسبوع ، أو أقل !
وصل إلى بيت الزعيم أبي عرب وكانت الأجواء حامية : فالرقص رقص والغناء غناء وأصوات الموسيقى والصراخ والمزمار تشق أجواء المكان وأبواب السماء والفرحة عارمة والضيافة في أوجها وأنواع الشراب على اختلافها ...! يا لها من ليلة ليلاء ! كانت اشياش اللحوم تتقلب على شوّاياتها وكأنها ترقص فرحا ً بهذا النصر العظيم... الآف اشياش لحم الخراف التي كانت قد حُضّرت في "فرايز" العرس الانتخابي . كان أبو عرب مرفوعا ً على أكتاف الشباب والفقاقيع ، والفشك ... كالرعود القواصف  والمحتفلون يرقصون كالمجانين ثم راح ساهر يقفز وسط المحتفلين كالسكران متجاهلا ً "إعاقته" المزعومة ، يلوح بعصاه كسيف مصقول من بيت آل سعود . كان يرقص كالأهبل ... مما زاد الحفل رونقا ً وأضاف شيئا ً من الفكاهة ... والسخرية .... وكأن الجمهور بانتظار هذا المشهد الهزلي لساهر فالموقف موقف فرح وانتصار ونشوة . وما أن وُضع أبو عرب على الأرض حتى اقترب منه ساهر وراح يقبله بعشرات القُبل رغم رائحته النتنة التي ملأت انف الزعيم وكادت تفقده صوابه!!
لم يترك ساهر الزعيم إلا بعد أن "سحبوهُ" عنه وكاد أن يقطع قطعة من خدّه وكان التذمر واضحا ً على وجه أبي عرب مع شيءٍ من الحيرة ... بسبب كثرة القُبل من ساهر ... وأمثاله ،في هذه الساعة المتأخرة !!ثم بدأ توزيع أشياش اللحم على الحشود فالخير كثيرٌ وكلمات الترحاب تملأ الفضاء من قبل أعوان وأقارب الزعيم !! كان ساهر يتناول أشياش اللحم بالجملة ولم ينتبه له أحد وراح يأكل بشراهة بارزة وكان يلبس ثيابه الفضفاضة الواسعة ! بعد بضع دقائق عاد ليرقص كالمجنون وسط الساحة واقترب من أبي عرب ثم عانقه وراح يصرخ :"يعيش... يعيش... يعيش زعيمنا أبو عرب!!" وثانية ً قيله وكان أبو عرب يضحك معه قسرا ً ومسايرة ً ... وفي عقله كان يشتُمُ الساعة التي نافس بها على الرئاسة ...بسببه "وأمثاله" الكُثُر . لقد ملأت ضحكّات المجتمعين على ساهر وحركاته الأجواء كُلُها . كانت رائحة ساهر كريهة إلى حدٍّ كبير!!
أكثرَ ساهر من إبتلاع  اللحم ثم عاد وجلس ولم يتوقف عن تناول اشياش اللحم المشوي ... دون رقيب أو حسيب، فالفرحة سيطرت على حواس المحتفلين ... والخير كثير !!
بعد دقائق قام وانصرف بهدوءٍ ، دون أن يشعر به أحد ، ثم خرج نحو الشارع يتعكز على عكازه / سيفه "اليمانيّ" الموروث قاصداً بيته. كان الجميع بانتظاره ، كعادتهم عندما يعود أبوهم من أي عرس ٍ .
راح ساهر ، بعد أن دخل البيت ، يخرج اشياش اللحم من جيوب بنطاله الفضفاض ، خمسة ً وعشرون شيشا ً ؛ هذه كانت حصيلته في تلك الغزوة على بيت أبي عرب ، رئيس المجلس العتيد ... مقابل القبلات الجارحة التي طبعها على وجنتيه ورقصات الهبل التي قام بها . راح ساهر ينعف الأشياش وهو يقول :"قوموا كُلو ... لقد أنعم الله علينا من خير أبي عرب ... يا ريت لو كل شهر في انتخابات !!" كان الأطفال يأكلون بنهم متناسين أنها ساعة الفجر ؛ ومن شدة النعاس والشغف بالأكل "علقت " قطعة لحم كبيرة في بلعوم الطفلة "رجاء" بنت السادسة والتي كان ساهر أبوها يحبّها أكثر من أخواتها ... وكادت تخنقها ، لولا عشرات الأكف التي انهالت على ظهرها ... من والدتها ، كي تُخرج القطعة من فمها إلا ان حالها زاد سوءً ولم يرُق وأصبحت في خطر فقد سببت لها اللحمة جرحا ً في حلقها وضيقا ً شديدا ً في تنفسها . لازَمَ ساهر وزوجته ابنتهما أربعة أيام في المستشفى وهي تحت العناية الطبية تعاني من الآم شديدة في الأجهزة التنفسيّة ، وكلما نظر إليها أبوها كان يقول :
"لعنة الله عليك يا أبا عرب ... لأن كل ذلك بسبب لحمتك الملعونة! إنشالله المجلس يتهدم على رأسك ورأس أعوانك !!" .    

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق