ليس التألّم علامة الخضوع! بقلم راضي كريني
2013-10-30 09:15:09

ارتأيت أنّ استهلّ مقال اليوم بالتذكير بقول القاضي عبد الجبّار المعتزليّ:" ليست الكثرة من أمارات الحقّ، ولا القلّة من علامات الباطل".
لم يتوقّع المثقّفون الأصيلون من المواطنين العاديّين الإسرائيليّين أن يبعدوا بتصويتهم في انتخابات السلطات المحليّة الأخيرة عن السلطة المحليّة رؤساءَ مدن أو مرشّحين آخرين كانت اتّهمتهم المحكمة بالفساد.
تصويت الكثرة لقيادات فاسدة يفرض على القلّة من القضاة في المحاكم المركزيّة وفي محكمة العدل العليا أن ينحازوا لقوّة الحقّ، وأن يسقطوا حقّ القوّة، وان يبتّوا في إبعاد الفاسدين عن مباني السلطات المحليّة، حتّى ولو انتخبوا بالسيرورة المسمّاة "ديمقراطيّة"؛ أليس من واجب القضاة أن يدافعوا عن الديمقراطيّة أمام قوّة الكثرة التي لم تأخذ بعين الاعتبار قرارات المحاكم؟
إن كانت "الديمقراطيّة" المزعومة قد فصلت بين الأكثريّة والأقليّة وحدّدت بينهما، فهذا لا يجعل الأكثريّة فوق القانون لتبت وتحسم كيفما تشاء، ولا يعطيها الحقّ بأن تتصرف فوق القيم الأخلاقيّة.
على السلطة القضائيّة واجب التصدّي للسلطتَين التشريعيّة والتنفيذيّة، وللصحافة والإعلام، كسلطة رابعة، لمنع ظواهر استفزاز وإرهاب  مجموعات تشعر بقوّتها وقدرتها على إيذاء الآخرين جسمانيّا أو نفسيّا، لأنّها تؤمن بحقّ القوّة.
تفسّر مجموعات الإرهاب تألّمَ المجموعة التي تؤمن بقوّة الحقّ، وعدم ردّها بالبلطجيّة ذاتها، على أنّه ضعف وخضوع وتفسّخ وانقسام و...، وتتوقّع من القلّة الباقية على حقّها أن تطلب النجدة والخلاص من بعض أعضائها.
على وسائل الإعلام في إسرائيل أن تعترف بتقصيرها وبانجرارها وراء رأي الأكثريّة التي لم تأخذ الفساد في عين الاعتبار. هكذا فعلت الصحافة الألمانيّة عند صعود النازيّة، بعد فوزها بانتخابات "ديمقراطيّة"... وهكذا تصرّفت الصحافة الإيطاليّة عند انتصار الفاشيّة، والصحافة اليابانيّة بعد اعتلاء العسكريّة الحكم... وهذا كان شأن الصحافة الأمريكيّة عندما اعتمدت مبادئ "كتاب الأمير" لميكافيلي التي كانت تحرّض ضدّ الأقليّة السوداء!
أليست غالبيّة الصحافة الإسرائيليّة، العبريّة والعربيّة، تتبع مبادئ ميكافيلي؟ ألا تسير وراء "ما هو مفيد؛ فهو ضروريّ" و"الغاية تبرّر الوسيلة"، بذريعة كشف الحقيقة ونقلها للجمهور؟!!
ألم تشجّع وسائل الإعلام هذه، بعض القيادات السياسيّة على التخلّص من الأخلاق والتقاليد ومن قيم التواضع والرضوخ لقرارات المحاكم، وعلى استعمال العصبيّات لكسب الأكثريّة فقط؟!
وهذا أيضًا مبدأ من مبادئ ميكافيلي.
ألم تتجاهل وسائل الإعلام هذه، أنّ بعض القيادات السياسيّة تحصل على حبّ الناس لها، بواسطة تخويفهم؛ كي تكون مخيفة ومهابة ومطاعة؟!
 وهذا مبدأ آخر من مبادئ ميكافيلي.
ألم تغضّ وسائل الإعلام هذه الطرف، عن أنّ بعض القيادات السياسيّة تعتقد أنّ حلّ الأزمة السياسيّة لبعض الفقراء، هو بدفع حفنة من المال لهم، وبهذا تتحقّق العدالة الاجتماعيّة؟! أي ليبقَ بعض الناس فقراء وجهلة؛ ليسهل تحريضهم على تكدير وتهديد صفو العيش!
وهذا مبدأ آخر من مبادئ ميكافيلي.
ألم تخفِ وسائل الإعلام هذه وعود وعهود القائد السياسيّ التي قطعها على نفسه إبان المعركة الانتخابيّة، والتي أصبحت فيما بعد تشكّل عبئا عليه؟!
وهذا أيضا مبدأ من مبادئ ميكافيلي.
علينا، نحن المثقّفين، أن نعترف أنّ هناك غضبا في صدور الناس، وأن نعرف كيف نمنع امتداده واندلاعه للشارع، وأن نعرف كيف نبقيه في الصدور رغم الألم القاسي.
علينا أن نرشد الناس إلى مساحة مفتوحة آمنة لتفرج عن مشاعر غضبها وخوفها، دون إيذاء الذات أو الغير.
علينا أن لا نضع قبالة الناس "كيس بوكس"-مجموعة منافسة، لتفرّغ غضبها عليه/ها؛ بل أن ندفع إلى ضبط النفس والسيطرة على المشاعر، واستيعاب كل الناس في وضع خالٍ من التهديد والغضب والخوف.

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق