بطالة أكاديمية... لماذا؟! بقلَم: مارون سامي عزّام
2013-10-27 10:25:52

الشهادات العلمية التي حصل عليها الطلاّب العرب في الآونة الأخيرة، من الذين درسوا خارج البلاد، قد باتت "لعنة" تنذر بالبطالة التي سأسميها "بطالة علمية مرخصة"، لأن مؤسّسة التعليم العالي، "تنتقم" منهم انتقامًا رسميًا! وحتى من الذين درَسوا في اسرائيل! فما الذي أدى إلى حدوث مثل هذه الأزمة على الصعيد الأكاديمي!؟... الجواب بسيط جدًا، وهو الشروط التعجيزية التي تضعها مؤسسة التعليم العالي، أمام الطلاب الذين يرغبون بدراسة الموضوع الذي يبتغونه في البلاد.
كلية دار المعلمين التي توجه مستقبل الطلاب العلمي والعملي، صارت تضع شروطًا تعجيزيّةً أمام الطلاب والطالبات العرب، على سبيل المثال أن يكون معدل تحصيلهم النهائي عاليًا، مما يمنع قبول بعضهم بشكل رسمي. لو عُدنا إلى الوراء، وتحديدًا إلى ما قبل عشر سنوات وأكثر، لرأينا أن نسبة الطلاب الذين كانوا يدرسون خارج البلاد لم تكن مرتفعة جدًا ولم يكن هذا اللهاث وراء الدراسة الجامعيّة جليًا مثل اليوم، هذا يعني أن نسبة الوعي عند بعض الشبّان قد ارتفعت كثيرًا، أما في إسرائيل، دولة "كل مين إيدو إلو"، أصبح التعليم العالي يشكّل عائقًا أساسيًا أمامهم.
عدَم قدرة الطالب العربي على كسر قيود التفرقة المفروضة عليه من قبل مؤسّسات الدولة، عائد إلى إضافة بندَين عنصريين وهُما القوميّة والأفضليّة للذين خدموا في الخدمة العسكريّة، إلى قائمة الوظائف المحرَّمة عليه على أساس أنها "ممنوعات أمنية علمية"، هذا الأمر يعني أن حقوقه الأكاديميّة أيضًا انقرضت، وحرب التفرقة على الطلاب العرب تُشَن من كل الجوانب الحياتية، على الرغم من تصدّع بعض قيود التفرقة، إلا أنهم ما زالوا يعانون يوميًا من الكدمات العنصرية!!
أصبحت وزارة المعارف "تشجع" الاستثمارات العلمية غير الرسمية بأسهل الطرق التعليمية، من خلال دعم مشاريع فتح كليات تعليمية خاصة ومتخصّصة في موضوع معيّن، للأشخاص الذين يرغبون باستكمال علمهم في مرحلة متقدّمة في السّن، فيتكبد هؤلاء المبالغ الطائلة، من أجل تعويض نقصهم العلمي، وإنجاز ما لم ينجزوه من قبل، نتيجة عدم توفر "وسائل الراحة التعليمية" الحديثة والمتطورة، التي من المفروض أن تقدّمها لهم وزارة المعارف بالتعاون مع مؤسسة التعليم العالي، اللتَين أدخلتاه في عالم المتاجرة بالشهادات الأكاديميّة الوهميّة، فأدّى إلى حدوث جلبة في مجال التعليم العالي في دولة إسرائيل، فنتجَ عنه كسادٍ علميٍ رهيب، كما ساهَم في تأزّم البطالة الأكاديمية التي طالت أكاديميي البلاد.
إذا أردنا التكلم عن الوضع التعليمي وموضوع الأفضليات، لوجدنا أن نسبة الطلاب العرب الذين يُقبلون في جامعات البلاد، أو الذين يحصلون على وظائف تتلاءم مؤهّلاتهم، آخذة بالانخفاض، بسبب استيعاب المتعلمين من القادمين الجدد في كافة الأطُر المهنية العلمية الشاغرة، المعدَّة لهم خصيصًا، أو كما تقول مؤسسات التعليم العالي هنا في إسرائيل، "وظائف لغير العرب"، كأن عرب إسرائيل من العنصر غير السامي، أي لا تنتمي جذورهم إلى هذه الأرض!...
البطالة الأكاديمية التي تعم الأكاديميين العرب في هذه البلاد، ناتجة عن الازدياد الرهيب وغير المعقول في نسبة الذين يتخرجون من جامعات خارج البلاد، وخصوصًا في موضوع الحقوق الذي غدا آخر صرعة علمية بهرت الكثير من الشبّان، الذين أُصيب بعضهم بداء "البطالة" من خلال عدم استيعابهم في أحد مكاتب المحامين القدامى للتدريب، إذ يزعم بعض المتدرّبين الجدد أن عدم استيعاب بعضهم بسبب وجود "فائض وظيفي" في عدد المتدرّبين، في مكتب ذلك المحامي المتمرّس، فيتعذّر عليه استيعابهم!! المشكلة الأساسية هي مؤسسة التعليم العالي في هذه البلاد، جعَلَت العِلم رخيصًا، أي تحوّل إلى سوق للخضار.
بعض المحامين العَرَب الكبار، يساهمون في ترسيخ بطالة من نوع آخر وهي "البطالة الاستعلائيّة"، ينسون أو يتجاهلون أنّهم في بداياتهم مرّوا في هذه المرحلة التدريبية، أي تصبح المسألة نوعًا من الاستعلاء الاجتماعي التي يتمتع بها بعض المحامين القدامى! مما يجعلهم يرفضون قبول هؤلاء المبتدئين في مكاتبهم. قد يكون ادعاء هؤلاء المحامين المبتدئين صحيحًا، فيتوغل اليأس في نفسيتهم، لكثرة ترددهم على مكاتب المحامين، فيذهبون للعمل في مهن أخرى غير مجال تخصّصهم.
إن تركيز بعضهم على دراسة موضوع الحقوق، يعود لأسباب اجتماعية، مثل إرضاء رغبة الوالدين والأهم رغبة الشاب المتحمسة للعِلم نحو اكتشاف أجواء أكاديميّة جديدة، ليخرج من نمطيّته، والمسألة الأهم برأيي، هو السّعي الحثيث لاكتساب المقام الرّفيع، ووقار الرّداء القضائي، فمثل هذه الأمور تمنح الشاب نوعًا من عزة النفس والكبرياء.
موضوع الحقوق مثلاً، غدا موضوع نقاهة ثقافية، لأنه بالفعل فَقَدَ هيبته التي كانت بالسابق موضع رهبة واحترام. لو سألت اليوم أي شاب متعلم: ماذا تعمل اليوم؟ لأجابك بتهكم موجع: "بَدَوِّر على شغل ومش ملاقي"، فهذا هو حال العديد من الطلاب العرب، وهذا عمليًا الوجه الآخر لحالتهم الاكاديمية، ناهيك عن البطالة العمّاليّة السائدة في كافة المرافق الاقتصادية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق