وانا بدي أصوت كمان... أمير خنيفس-جامعة لندن
2013-10-20 08:40:10

وانا بدي أصوت كمان... أمير خنيفس-جامعة لندن
الاجتماعات، الاحتفالات، الخطابات، النّقاشات، التّعهدات، الزّيارات، الملصقات والبالونات هي جزء من المظاهر الكثيرة المُرافقة لانتخابات السّلطات المحليّة في قرانا. والأسئلة الّتي تُطرح هي: ما الّذي يجعل الانتخابات لمؤسّسة تُعاني عجزًا ماديًّا بأرقام قياسيّة محطّ اهتمام وتهافت؟ ولماذا فقدت المؤسّسات السّياسيّة الأخرى ذلك الاهتمام المُشابه في حين بقيت السّلطات المحليّة موقع اهتمام الأغلبيّة السّاحقة بيننا؟ هذه الظّاهرة كانت محور بحث في طروحات عديدة لباحثين في السّلوك السّياسيّ عند الأقليّة العربيّة، ضمن مركباتها الدّينيّة والثّقافيّة من الجليل إلى النّقب.
البروفيسور يعقوب لانداو في كتابه "العرب في إسرائيل" عام 1969 كان أوّل الباحثين الّذين تطرّقوا لهذه الظّاهرة، إذ يعزو السّبب الرّئيسيّ لهذا الاهتمام إلى محاولة العائلات الكبيرة الحفاظ على مكانتها الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة الّتي كانت قد حققتها خلال فترة الانتداب البريطانيّ وفي السّنوات الأولى لتأسيس الدّولة من خلال وظائف رسميّة كوظيفة المختار.
إنّ غياب وظيفة "المخترة" ومكانة العائلات الكبيرة في ظلّ الدّولة الحديثة لم يُقلّل من اهتمام الأغلبيّة الكبيرة في مجتمعنا بهذه السّلطات. الأمر الّذي ادَّعاه كلّ من البروفيسور ماجد الحاج وزميلة هنري رونزفلد في كتابهما المشترك  "الانتخابات للسلطات المحليّة العربيّة "عام 1990 حيث أشارا إلى أنّ الأهميّة الّتي تتّسم بها هذه السّلطات تعود إلى السّياسة الاقتصاديّة العنصريّة الّتي اتبعتها الحكومات الإسرائيليّة اتجاه المواطنين العرب. فتحوّلت السّلطات المحليّة إلى أكبر مُشغّل في الوسط العربيّ. هذا وقد ازدادت أهميّة هذا الدّور في ظلّ غياب المنشآت الاقتصاديّة المناسبة في قرانا لاستيعاب الأفواج الجديدة من الخريجين الأكاديميّين من جهة، وعجز هؤلاء في إيجاد أماكن عمل في الأسواق الإسرائيليّة من جهة اخرى.
بالإضافة إلى العامل الاقتصاديّ فقد أشار الدكتور أسعد غانم في كتابه " المشاركة السّياسيّة عند الأقليّة العربيّة "عام 2001 إلى الدّور الهام الّذي تلعبة هذه السّلطات كإطار سياسيّ في ظلّ الامكانيّات السّياسيّة المحدودة للأقليّة العربيّة على إدارة الحكم المركزيّ، تحديدًا في السّنوات الأخيرة في ظلّ الحكومات اليمينيّة. أضف إلى ذلك فإنّ السّلطات المحليّة قد تحولت إلى مرحلة انتقاليّة ومنصّة تحضير لعمل سياسيّ قطريّ، وذلك من خلال لجان سياسيّة قطريّة كرؤساء السّلطات المحليّة العربيّة ولجنة رؤساء السّلطات الدّرزيّة.
بالإضافة إلى العوامل الّتي ذكرت أعلاه، فإنّ الادّعاء المركزيّ لهذه المقالة  يكمن في أنّ  الأهمية  الكبيرة الّتي تحظى  بها هذه السّلطات تعود إلى أنّ إدارتها من رؤساء وأعضاء يتلقّون الشّرعية المباشرة من المواطن. وذلك على عكس المؤسّسات السّياسيّة الأخرى المؤثّرة في حياتنا اليوميّة. إذا أخذنا الكنيست وأعضاء الكنيست العرب على سبيل المثال،  فإنّنا نرى بأنّ مجموعة صغيرة من الفعّالين تمكّنت من خلال ممارستها  المستمرّة وتجربتها ومعرفتها  لمراكز القوى من بناء أطر سياسيّة تحت عنوان "أحزاب عربيّة" استطاعت أن تعيد شخصيات سياسيّة إلى مقاعد الكنيست من دورة لأخرى حتى يخيل لك بأنّ شخصيات مثل أحمد الطّيبي وطلب الصّانع أعضاء في الكنيست منذ الفترة الّتي كانا فيها أعضاء في الفرقة الموسيقيّة البيتلز- في منتصف السّتينات - وكان لهما شعر على رأسيهما يتدلى على أكتافهما.
مبدأ الشّرعيّة يكاد ينعدم على الإطلاق عند كلّ من يشغل وظيفة رسميّة لها تأثير على الحياة اليوميّة عند أبناء الطّائفة الدّرزيّة لأنّ الأغلبيّة السّاحقة منها بمثابة تعيينات من قبل الحكومة المركزيّة. وإذا  أخذنا الكنيست مرة أخرى كمثل لتوضيح هذا الأمر، فإنّنا نرى بأنّ الاغلبيّة السّاحقة لأعضاء الكنيست الدّروز في العقدين الماضيين قد حصلوا على مواقعهم من خلال الالتفاف حول مراكز قوى في الأحزاب اليهوديّة ، فاستطاعوا بذلك ضمان مواقعهم في لوائح الانتخابات لأحزابهم. ليس صدفة بأنّهم يحافظون على "حق السكوت" في المواضيع الشّائكة الّتي تمسّ مجتمعهم، ليس لأنّهم غير مطّلعين عليها بل لخوفهم من المسّ بمشاعر مراكز القوى في أحزابهم خاصة وأنّها تتناقض مع أيدولوجية وبرامج عمل أحزابهم، الأمر الّذي قد يؤدي إلى فقدان كراسيهم.
هذا على العكس تمامًا من المرشحين لرّئاسة وعضويّة مجالسنا المحليّة والّذين يتنافسون على إرادة جمهور النّاخبين السّياسيّة، ويعملون جاهدين من أجل الحصول على دعمهم من خلال عملية إقناع مستمرّة، وعلى كونهم الأنسب لتلبية طموحاتهم المستقبليّة وتقديم الخدمات الحياتيّة الأساسيّة ابتداء من البنى التحتيّة، مرورًا بالخدمات الصحيّة وصولا إلى المؤسّسات التّعليميّة الّتي تخضع لإدارة سلطتهم المحليّة.  فيُطلعون المواطن على برامجهم السّياسيّة الانتخابيّة الّتي تشمل في سلّم أولويّاتها القضايا الهامّة الّتي تُشغل المواطنين على أمل تحقيق القسط الأكبر منها في حالة انتخابهم.
ومن هنا فأنا أناقض الادّعاء القائل بأنّ الانتخابات للسّلطات المحليّة غير مهمة وبرأيي هي الأكثر أهميّة لأنّها تحصل على الشّرعية المباشرة من جمهور النّاخبين، وهي المرجعيّة الأساسيّة في نظام ديمقراطيّ. وكلّ ما يتوجّب علينا هو اختيار الشّخصيات المناسبة لإدارة سلطتنا المحليّة، وأن نتبنّى الوصايا العشر للانتخابات والّتي أشار إليها البروفيسور أمل جمّال من خلال مقالته الأخيرة  "المعاني المبطنة لانتخابات السّلطات المحليّة"، حيث تُلخّص أهميّة ممارسة حقّ الانتخاب وتأثيره الأخلاقيّ والعصريّ  المبنيّ على الاحترام المتبادل، ونبذ العنف السّياسيّ على جميع أشكاله بما فيه الجسديّ الرّمزيّ والكلاميّ.
المقالة مهداة إلى الأستاذ حسون صالح حسون - أبو عبد الله - لمناسبة خروجه للتّقاعد بعد أربعين سنة من العطاء في سلك التّدريس، وعلى التّشجيع والدّعم الّذي قدّمة لي بشكل شخصيّ منذ كنت تلميذًا في قسم العلوم الاجتماعيّة في ثانويّة شفاعمرو، أمنياتي له بالتّوفيق والنجاح، ولجميع المرشّحين كلّ عيد انتخابات وأنتم في تمام الصّحّة والعافية ودمتم لخدمة مجتمعكم. 

    

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق