ملهاة الهواتف العصريّة بقلَم: مارون سامي عزّام
2013-10-05 09:03:24

نعيش في عصر السّرعة، والسّباق مع الزّمن نحو التحصيل والإنجاز في كافة مجالات الحياة، نتراكض من أجل القيام بواجباتنا الاجتماعية على أتمّ وجه، لكنّنا لم نستطِع انجاز الكثير منها. اختصارًا للوقت قُمنا بالاستعانة بوسائل الاتصال العصريّة، لأنها لم تعُد من الكماليّات كما كان في العقود الماضية، وتعتبَر حلقة الوصل بين النّاس، إنّما للأسف أصبحت أدواتٍ للتّحرّش غير الأخلاقي المشين.
يرن جرس الهاتف في بيتك، فتترك كل شيء، من أجل الرّد على الهاتف، ولو كنت في مهمّة هامّة، وما أن تقول كلمة "ألو"، حتّى تسمع ألفاظًا بذيئة وأصواتًا غريبة عجيبة، وتسأل: "مين بحكي؟"، فيجيبك بوقاحة: "إنت مين؟"، أمّا إذا ردّت زوجتك أو ابنتك، تراها بعد لحظات، قد "احمرّت واصفرّت"، جرّاء ما وقع في أذنيها من ألفاظ مشينة، تقشعر لها الأبدان، فإمّا أن تضطر إلى طرق سمّاعة الهاتف، وهي ترتعد غيظًا، أو إذا تمالكت رباطة جأشها، وحاولت ردعه عن سفهه، فإنها سرعان ما تخرج عن طورها، وتروح تكيل له الصّاع صاعين.    
والأفظع من كل هذا، أن بعضهم لا يتنازل ليكلمك، بل يقرّب الرّاديو أو المسجّل من السّمّاعة، ويُسمعك الأغاني والموسيقى، وكأنك طالب أغنية ما في برنامج "ما يطلبه المستمعون"، مع أن هذا ما لا يطلبه المستمعون أبدًا. هكذا وبمنتهى الوقاحة والسّماجة، يعتدون على خصوصيّات المواطنين، ويقتحمون حرمة بيوتهم، مبيحين لأنفسهم ما لا يُباح، لا لشيءٍ، إلا لقضاء الوقت، الذي لا قيمة له عندهم.  ومما يُؤسف له، أن هؤلاء الماجنين قد اتخذوا من الهاتف وسيلة للهو والعبث وللتّلهّي بإقلاق راحة الناس وإزعاجهم.
لم نبرأ بعد من هذا الدّاء، حتّى داهمنا داء الهاتف اللاسلكي، فالظاهرة المتفشية مؤخّرًا، وأعني تشابك الموجات الأثيريّة، حتّى اختلط "الحابل بالنّابل"، وأخذت المكالمات الهاتفية تتداخل ببعضها، فإذا بك تسمع أحيانا حديث اثنين غير مُحدّثك، يقطع عليك الحديث ويشوّش اتصالك، ولا تدري من أين وكيف، وهكذا تكون محادثتك أيضًا عرضة للتّنصّت، وتغدو أسرارك الخاصّة مفضوحة مُباحَةً، وهذه المضايقات قد حَذِق بها بعض المتحرّشين، فهُم يعتلون الخط عن سابق قصد وإصرار للعبث بخصوصياتك وانتهاك حُرمة أسرارك.
مع مرور الزّمن تطوّرت وسائل الاتصال، ودخلت في مجال الإعلان التكنولوجي الحديث، فأصبحت الهواتف المنزلية، وسيلة إعلانيّة، إذ تُسمِعُك سمّاعة الهاتف، تسجيلاً إعلانيًا صوتيًا تلقائيًا، لإحدى الشّركات، تفرضها علينا فرضًا، ومن جهة أخرى تدّعي شركة بيزك أنها حاولت في السّابق إلغاء هذه الخدمة، للذي يطلُب، ولكنها فشلت، لكنّي أعتقد أنها معنية بإبقاء هذه الخدمة، لأنها وسيلة رِبِح إضافية لها!!
حتّى خلال فترة الانتخابات للكنيست، تلجأ بعض الأحزاب الإسرائيليّة والعربية، إلى استعمال خدمة الدعاية المسجّلة عبر الهاتف المنزلي، وتسمع صوت زعيم حزب ما، يتوسل المواطنين، أن يمارسوا حقّهم الانتخابي! ألا يكفينا دعاياتهم الانتخابية المصورة، التي يعرضونها على شاشات التلفزة خلال فترة الانتخابات، لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فأصبحت الهواتف المنزليّة محطّات دائمة لاستطلاعات الرّأي التي تجريها الشركات المختصّة.
السّؤال: إلى متى يستمر هذا الوضع الخطير والمشين؟! إلى متى تبقى خطوط الهواتف عرضة لاستهتار المستهترين؟! وإلى متى يغفل المسؤولون الرّسميّون، وفي مقدّمتهم شركات الهواتف، عن معالجة هذا الدّاء؟!. كلمة أخيرة لا بدّ من توجيهها إلى معشر الماجنين، فنقول لهُم: ما أنتم إلاّ ميكروبات في مجتمعنا هذا، وجسم هذا المجتمع يرفضكم، فهل نجد في وجوهكم بعض الحياء، لتَفهموا وتتعقّلوا قليلا؟! أم أن "اللي استحوا ماتوا"!!

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق