نعيش بقلبين!! بقلم حسين الشاعر
2013-07-29 09:31:48

لا اتخيل ومن المستحيل أن يعيش إنساناً بقلبين، هكذا خلقنا الباري عز وجل.. وهكذا اثبتت كل الأبحاث والعلوم الطبية أنه يستحيل أن يعيش اي فرد منا بقلبين في جوفه.. ولم تسجل في العالم أي حالة تشير لخلق انسان يعيش بقلبين.
ولكن اذا أبحرنا في أنفسنا نشعر في كثير من الأحيان اننا نعيش بأكثر من قلب.. وممكن للإنسان أن يعيش بعقلين: العقل الأول الدماغ، والعقل الثاني عقل القلب.
القلب، هذه المضغة التي يسيجها القفص الصدري ليست مضخة للدماء فحسب، بل انه وعاء لكل شيء.. فمن الممكن ان يضخ من خلال دقاته رضى ومحبة واما أن يضخ بأساً ويأساً وحسداً.. انه مستودع للايمان والعلم، وفي نفس الوقت يمكن ان يمتلئ جحودا وكفرا وجهالة.. حبا وبغضا.. لينا ورحمة أو قسوة وبطشا.. وكما جاء في كتاب الله العزيز: { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }.. و {لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}..
العلماء يتساءلون: كيف يمكن للقلب أن يعمل فورا قبل وصله بالجهاز العصبي؟ هل للقلب دماغ خاص به؟ هذا السؤال احتاج الى عمل مضني، ومراقبة دائمة لعمل القلب عند زرعه، ولو راقبنا أنفسنا في أعمالنا وأفكارنا لشعرنا أن القلب يسجل اشارة والمخ يسجل اشارة..
في معهد "هارتمان"، وجدوا خلال تجربة خاصة ان توقعات القلب دائما تأتي قبل توقعات المخ.. وهذه هي قوة الحس وقوة البصيرة.. القلب يعطي الاشارة ويتوقع قبل المخ.. وتذهب الاشارة الى المخ لكي يأخذ الاستعداد..
اذن في الخلاصة نستطيع القول ان هذا القلب عاقل ويفكر ويخطط، بل هو الذي يرسل قراراته لكل الجوارح.. انه الملك يأمر وينهى.. يحب ويكره، والجوارح جنوده تنفذ قراراته وفرماناته.. ويؤكد هذا المعنى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ان الله لا ينظر الى صوركم واجسامكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم".. كما واننا في الأيام الفضيلة نسمع ائمتنا وشيوخنا اثناء الدعاء يتوجهون الى الله ان يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأن يثبتها على الطاعة، وان يطهرها من الحسد والشحناء والنفاق ومساوئ الاخلاق..
استوقفني ما قاله الشيخ خالد صباح امام مسجد علي بن ابي طالب في شفاعمرو، في احد الدروس الرمضانية حيث روى قصة طفل في الصف الثاني ابتدائي طلبت منه المعلمة ان يرسم رسمة توحي بفصل الربيع وجماله، فرسم هذا الطالب دون رفاقه مصحفا "القرآن الكريم"، فعنفته المعلمة على عدم استيعابه للمطلوب وسألته ما علاقة صورة القرآن بفصل الربيع؟! فكانت إجابته ان والدته علمته ان القرآن هو ربيع القلوب.. ولذلك رسم القرآن لانه ربيع قلبه.. فدهشت المعلمة لهذا الجواب.. وانا أقول ما أجملها من تربية ومن صورة تزهر القلوب، واتمنى من كل الآباء والأمهات ان يكون القرآن موضع تربيتنا لأطفالنا وأن يكون ربيع أنفسنا وقلوبنا.
بعض الناس يجهلون مركبات القلب حيث يتوهمون ان المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة.. ان المحبة الحقيقية بين إثنين هي ابنة التفاهم الروحي المستمر، وان لم يتم هذا التفاهم الروحي بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل فالإيمان هو واحة في القلب التي لن يتم الوصول اليها الا من خلال قافلة التفكير..
الكاتب جبران خليل جبران قال: "للرجل العظيم قلبان: قلب يتألم وقلب يتعلم"، وانا أقول هنالك قلب آخر يتأمل ويتفكر وينبض بروح التفاؤل..
ما أجمل أن تكون قلوبنا في هذه الأيام صافية تضخ المحبة والتسامح في هذا الشهر الفضيل، تضخ اوردة نسيجها الإيمان ومحبة الآخرين ليكون عقلنا هو الذي في قلبنا ليختار لنا الاتجاه الأفضل لحياتنا.
المؤمن عندما يقرأ كتاب الله يطمئن لذلك قلبه، أي عقله الذي هو في القلب، وليس عقله الذي في دماغه.. أعجبتني حكمة تقول : "راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالك، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عاداتك، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعك، وراقب طباعك لأنها ستصبح مصيرك"..
وأخيراً.. فهذه القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء .. وهذا القلب اذا اردنا له ان يكون سليما عاقلا  واعيا معافى فلا بد ان يتعلق بحب الله تعالى ويستمد قوته وحيويته من معرفته سبحانه.. فمن وجد الله ماذا فقد، ومن فقد الله ماذا وجد.. واختتم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ويدعو ايضا فيقول: " اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين" وشهر رمضان يحثنا على نقاء القلوب وترسيخ الإيمان والمحبة بين الجميع وتحقيق كل الأهداف الجميلة السامية.. فنحن لدينا قلوب وهي مفاتيح الخير أو الشر.. السعادة والشقاء.. فلتكن قلوبنا مفتاحاً لحياة أفضل..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق