أطلقوا سراحنا من سجن الزّحام بقلم: مارون سامي عزّام
2013-07-16 11:58:47

معظم مدننا العربية تعاني من أزمة السّكن المزمنة، التي يصعب معالجتها جذريًا، لأن دائرة أراضي إسرائيل ما زالت تصادر الأراضي بشكل غير قانوني!!... يتذمّر السّكان من المطبّات والغبار... زحام السيّارات يسد شوارع مدننا الضيّقة فتختنق لاكتظاظ حركة السّير، أضِف لذلك أنَّ بعض السّائقين يوقفون سياراتهم بشكل مُعتَرِض، فتُعطّل حركة مرور وسائل النّقل المختلفة.
المؤسسات العامة بشتى أنواعِها، تشكل بعض أسباب الزّحام، فيتجنّب بعض الناس ركوب سياراتهم، فيستقّلون الحافلات أو سيّارات الأجرة، لئلا يعلقوا داخل "ميمعة" السيّارات المتراصّة الواحدة تلو الأخرى.
تهافتُ البعض على الأسواق، والبسطات الأسبوعيّة، يدفع بأحدهم أن يوقف سيّارته بأشكال هندسيّة مختلفة، فيُعطّل حركة السّير لعدّة دقائق، ليعود بعد ذلك حاملاً أكياسًا من الحاجيات البيتيّة، فيدخل سيّارته دون أن يقدّم لأصحاب السيارات المنتظرين "تشريفه" أدنى اعتذار عن تأخيره!!، فتبدأ أوتارهم الصّوتيّة تنفض عنها غبار غضبهم الصّامت.
السيّارة قوة دفع رهيبة... قوة تحرك لهفة بعض شبّاننا "المصرصعين"، الذين باتوا يترفعون عن السير على الأقدام، انضمّوا إلى ركب الزّحام، لكن بطريقة مختلفة، فقبل وصول سيّاراتهم بلحظات إلى طابور الزّحام، يشِنّون بمنتهى الوقاحة، على آذاننا، أشد المواقع الحساسة في جسدنا، غارة موسيقيّة إيقاعيّة بربريّة، تكاد تمزّق طبلاتها لشدة صخبها.
إذا زمَّر أحد السّائقين لأحد الشبّان المتطرّفين خُلُقيًّا، وقطع عليه حديثه ليُذيب جلطة الزّحام التي أدّت إلى شلَّل مروري، نراه ينزل من سيّارته مُنرفزًا متجهّم الوجه، فيطعن ذلك السّائق سكّينًا أو يشاجره لأتفه الأسباب، فيكون الزّمور مسبّبًا لشجار فوري. ومثل هذه الأمور حصلت مرارًا في مجتمعنا الحضاري!!... خلال قيادتنا للسيارة تحصل أمور مُعيبة ومغيظة، فبعض الشّبان يصنّون آذاننا بصوت أزيز محرّكات سيّارتهم "الرّياضيّة"، كي نفتح الطريق لَهُم وكأنهم يقلَون أحد معالي الوزراء ليوصلوه في الوقت المحدد لمقابلة طارئة وهامة جدًا مع رئيس الحكومة!!.
ظاهرة أخرى ظهرت على شوارعنا، وهي ظاهرة الدرّاجات النّاريّة والمجموعة المنتمية إلى فئتها، ورغم صِغَر حجمها، لكنها ترهبنا... تضايقنا، تتسلّل كالجرذان بسرعة بين سيّاراتنا، تباغتنا فجأةً بطريقة مثيرة للأعصاب... نخاف أن تصدم سيّاراتنا، لرعونة راكبيها، إذ يتخيّلون أنفسهم يقودونها في ميدان السباق...
... أمّا إذا كانوا من عشّاق السّباقات، فإنّي أبشّرهم أن الكنيست الإسرائيلي سنَّ مؤخّرًا قانونًا يسمح بإجراء سباقات الرالي في البلاد، يجيز لهم أن يقودوا درّاجاتهم بسرعة جنونيّة، ليُفْرِغوا طاقة العنف التي بداخلهم. أنا أقترح على بلدياتنا أن تخصص مسارات للدرّاجات الهوائية ولجميع أنوع الدرّاجات التابعة لهذه الفئة، كما فعلت بعض البلديات في مدن إسرائيل.
بعض العائلات المقتدرة في مجتمعنا تضطر أن تملك أكثر من سيّارة في البيت، لتراعي الظروف التعليميّة لأحد أبنائها، ولا شك أن هذه السيارات تساهم بشكل مباشر أيضًا في ازدياد الزّحام المروري. هذه المعضلات الأخلاقية، إذا جاز القول، سببها الرفاهية الإسرائيليّة العصرية التي أتاحت للبعض شراء سيّارة ليست من ماله الخاص، إنّما بواسطة التسهيلات الاقتصادية، والقروض المعفاة من الفوائد البنكية أو غير البنكية التي تنتهج طريقة التقسيط المريح!.
سجن الزّحام الكبير الذي يطوّق حركة السير، يحرق وقود السيارات هباءً... يحاصر مواعيد النّاس فيتأخرون على عملهم قسرًا... أصبحت السيارة السجّانة الآلية الاختياريّة التي نقلتنا من ضجيج الازدحام السكاني إلى زحام خانق، يخنق صحّتنا نتيجة روائح كريهة تتسرّب من الشّاحنات أو من المصانع الكيماوية.

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق