مرض النظافة – هل هو سبب حقيقي لانفصال الأزواج؟
2013-07-09 20:17:06

بقلم: دينا سليم - بريزبن

دخلت إلى شقتها فاستقبلتني المرأة التي انهمكت انهماكا غير طبيعي في التنظيف، ممسكة بفرشاة غليظة بيد وبالأخرى مكبرة نظر.
أدهشني الموضوع لكني لم أكترث كثيرا لأني اعتقدت بداية أن الأمر شبه عادي، لكنها عندما أسبلت جفونها أمامي وهي تستنشق الرائحة متلذذة فخورة بنفسها، صدمت، سألتني:
- هل تعجبك الرائحة؟
عن أي رائحة تسألني؟ سألتني مجددا:
- هل تعجبك رائحة المنظف، لقد اهتديت على نوع أكثر فعالية من السابق، فاعليته قوية، يقوم بتييض الحمامات ولا يترك أي جرثومة في المكان!
أدهشني ترتيب البيت، كل شيء في مكانه، والمرايا تبرق مثل أشعة الشمس، لا وجود أثر لأي كتاب في المكان، اعتقدت أن جميع البيوت تشبه بيتي، رفوف لكتب هنا وهناك، صحف هنا وهناك، أشرطة هنا وهناك، أوراق هنا وهناك... مما دعاني أشعر بالأسى قليلا، يزعجني البيت الخالي من المؤلفات، لكن هذا ما شعرت به!
دخلت خلفها إلى الحمام فوقعت عيني على كمية من علب الكريمات التي تصدرت الرفوف، مرتبة بشكل جميل دعاني أشعر بأني امرأة مبعثرة، أو ربما كنت امرأة لا مبالية بهذا النوع من المساحيق، أو لأنها لا تلزمني، لكن أغرتني العلب المنسقة بشكل هرمي عجيب، علبة لتنظيف البشرة، وأخرى كريم حماية، وأخرى حليب مغذ، وأخرى كريم للعينين، وعلبة أخرى وأخرى وأخرى.
وسألت نفسي، ماذا تفعل طوال النهار، وأجبتها حالا، هي امرأة عملية وغير رومانسية، تقوم بالتنظيف طوال الوقت، ولا من شئ آخر غير ذلك تفعله، ربما هي واقعية أكثر منها حالمة، لكني أحب المرأة الرومانسية الحالمة!
 وعندما أدخلتني إلى غرفة نومها، اعتقدت أني سأجد ملابسها منثورة هنا وهناك، لكني فوجئت بأنها مرتبة داخل الصوان بشكل جميل ومتقن، بل موضوعة بمنتهى الدقة. علمت حينها أنني لا أشبهها بأي شيء، أي نعم أحب الترتيب والنظام لكن بشكل عادي جدا، وأيقنت أيضا أنها تعاني من مشكلة كبيرة، وهي المبالغة في مسألة النظافة.
تذكرت في الحال، جارة قديمة، انهمكت طوال النهار بالتنظيف "والتبريق" والتلميع، حتى في فصل الشتاء كانت تشطف النوافذ، وتذكرتها أيضا عندما قامت بتغسيل أبنائها خارجا وأثناء فصل الشتاء البارد، لكي تحافظ على نظافة الحمامات وعدم تلويثها، أنا لا أمزح!
وذكرى أخرى وأخرى تروم إلى عقلي المؤثث بمراقبة الناس، ليس لسبب التشهير بهم بل، لأني شديدة الملاحظة، وعيناي تلاحظان كل شيء مختلف بدون قصد، حتى بدأت أبحث عن أسباب هذه الظاهرة التي تكثر لدى بعض الناس، وليس الإناث فقط، والرجال أيضا، أؤلئك الذين يعانون من حالة الوسواس القهري.
ها أنا أقفز أيضا بذاكرتي إلى جار قديم انفصل عن زوجه لأنه عانى من هذا الوسواس الذي أدى به إلى عدم الاقتراب منها ومجامعتها، شعر بالقرف من كل رائحة تصدر بعد عملية الجماع، وغالبا ما كان يصرخ موبخا زوجه على عدم نظافتها.
وذكرى أخرى تأخذني إلى امرأة أخرى انهمكت بغسل يديها ولمدة طويلة، تضع الصابون وتصب الماء، وتضع وتصب إيمانا منها أن يديها ما زالتا متسختان، فتعلقت عيون الحاضرين على المشهد، حزنت عليها من نظراتهم المشبعة بالشماتة، والسخرية منها، يتوشوشون عن السبب، للتأكد من تقديراتهم السلبية عنها!
أؤلئك المصابين بهذا الهوس في النظافة لا يعلمون أنهم مصابون بمرض نفسي، يمتد لفترات قصيرة أو ربما يستمر مدى الحياة إن لم يخضعوا للعلاج، وكل واحد منا معرض الوقوع في حالات مماثلة في مرحلة ما من الحياة، وربما قد تعرضنا لها ولم نكن ندري عندما كان يصاحبنا حسّ من قلق غير عادي، أو شكّ، أو عند مرورنا ببعض الصدمات العصبية، أو الضغوطات النفسية مؤقتة.
إيمان الشخص أو المريض، بفكرة معينة تلازمة باستمرار وتحتل جزءًا من الوعى والشعور، رغم اقتناع المريض بسخافة هذا التفكير، تحتل تفكيره هذه الفكرة القهرية، أي أنه لا يستطيع إزالتها أو الإنفكاك منها، ويدافع عنها، ولا يستطيع أن يتنازل عنها، وتتطور لدى بعض المرضى فتصل إلى ظاهرة نتف الشعر، أو كظم الأظافر، والخ من مظاهر غير محببة، وعندما تطول الحالة تتحول إلى وسواس قهري مرضي يعاني منه نسبة كبيرة من سكان العالم.
وأحدثكم عن جارتي، حدث وانفصلت عن زوجها، وها هي تزاول مهمة التنظيف بعد خروجه من البيت ولمدة ما يزيد عن ستة أشهر، طالت المهمة، جارتي تنظف بيتها وتقلب حديقتها منذ شهور، وما تزال تأتي لي بشكاوي كثيرة عن زوجها، وعندما تنتهي من رواية حكايتها الطويلة، تنفض يديها وتقول ( الحمد لله أني تخلصت منه ومن قرفه)، وعندما حاولت الإصلاح ما بينهما ادعت أنها لا تستطيع أن تقيم مع رجل مدمن على التدخين، تخبرني بأنه يسعل طوال الوقت ويبصق طيلة النهار والليل، لا يخضع إلى النوم بسبب ولعه بالتدخين، وإن خضع ينام والسيجارة في فمه، ثم تعاوده نوبات السعال فالبصق، وهلم جرا، سنوات وهو على هذه الحالة، وهي لم تعد تحتمله، تيقنت جيدا أنه هنالك علاقة وثيقة بين حالة الهوس وحالة النظافة الزائدة التي أصابتها.
وعندما صادقت غيره بعد ذلك، ثم انفصلت مجددا، تجددت عندها عادة التنظيف المبالغ فيه، وزاد الهوس القهري، لقد استبدت فيها حالة صدمة الإنفصال فتحولت إلى حالة هوس حقيقي أدت إلى نتيجة سلبية، العمل باجتهاد بكل متعلقات الماضي الذي أوجعها، تنظف كل شيء بعد خروجه من البيت، تحاول نسيان (القاذورات) وأهمها المشاكل الصعبة التي مرت عليها مؤخرا، تخرج من فشل لتدخل في فشل آخر، والصراعات التي لم تكن لتنتهي إلا بتدخل رجال الشرطة والجيران أحيانا، حتى أصبح صعب عليها التخلي عن عادتها في التنظيف لأنها ترضيها وتريحها، خرجت من حالة لكي تدخل في عادة مدمرة... تيقنت أنه لهوس النظافة جنون وفنون له أسبابه المقنعة ونتائجة المحزنة.
 

 

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق