أمي يا نبع الحنان بقلم اشرف هاني الياس
2013-03-22 01:41:06

يا ألهي ,  يلوحُ لي في الغياب أشياء صغيرة تذكرني ببيتنا , شجرة زيتون باسقة وازهار رائعة بطول جدار حديقتنا, أنها أولُ ترنيمة صباحية للروح والذاكرة , أي صباح هذا الذي فرزَ في القلبِ صورة بيتنا , وأي نص هذا الذي تَجمهَرَ الدمعُ بأعقابة وانتفضت كل الذكريات والامكنة , اي مداد هذا الذي جعلني اشتاقُ وأحنُ الى أمي والى دفء أمي وهسيس يخرج من بين السموات , الى خبزها الساخن والى وجهها الباسم , أي شوق ووداد هذا الذي جعلني اتذكر طيف برداء أبيض وقلبٌ يمسحُ وجعي لا يبق في البين مسافات , هذا الصباح جعلني اتذكرُ أول احتضان في رحمِ الوفاء , أول لمسة دفء تدثّر الجسَدَ , وأول الحروف .. والأبجديات ..(ماما( , أمي يا سنديانة تتغلغل جذورها عميقاً في كياني , لتهبني الحياة والحب والإيثار ..بل أمي يا قيثارة الايثار .. لقد جعلتني ألان ارى القصائد والأدب نوافذ مشرعة على حنين وشوق لا يهدأ ولا يستكن ابداً .

فها انا أعلو صهوة الكتابة حاملا رسالة خاصة ومميزة لأنسانة مميزه,رائعة تعجز المعاجم والمخطوطات الادبية والمعلقات عن وصفها لما تحمل بين اوردتها دلالة على عمق لمعنى نفتقد الية بأفتقادنا لها , فبطياتها سحب من الندى الذي يرعشنا عند ملامستة جسدنا تماما مثل يديها عندما تلامس الكلثوم وشفتيها عندما تقبل الجبين لتترك خلفها سحر وعظمة الخالق بما ميزها عن غيرها من الخلق وبما وهبها من اكاليل العطف والمحبة ,انها العفاف والعفة انها الحنان والرقة بكل ما تحملة الكلمة من معنى سام انها وبكل فخر....أمي.
أقوم الان بمضغ ذاكرتي كلوز تاركاً خلفي في كل مرة كنت اوضب اشيائي واسافر فيها , سريراً فارغاً وأم كانت تبعثر عمرها كرزاً وسماقاً وجمرا فوق جبيني ومنزل أنجَبت بة أحلامنا لاعوام طوال , وطفولتنا الشقية أنا واخوتي حيث كنا نعذبكِ كثيراً في مساءات الوعول , فنكسر الاقداح فوق سكونة أو نصفع الابواب ونملىء السكون بعصف لهاثنا , ولكن عندما يدنو الليل كان لي بحضنك كرسي يدفىء عزلتي , ونوافذ قلب مفتوحة لحكايا الايام والماضي , ليلى الحمراء وبيضاء الثلج وألاميرة والبجعة  , تلك الحكايا القابعة على أرصفة الحنين وهي تمر في ذاكرتي وفي بال الخريف , لتنقنق الطفولة على بابك كل ليلة لسماع تلك الحكايا للمرة الاف على ما اعتقد .... كنتِ تعاقبيني احياناً لأني لم أقم بوجباتي المدرسية على أكمل وجة فترفضي بأن اغافلك لالعب مع صديق الطفولة والصبى بطرس , وقلتِ لي حينها , هنالك ذئب في المدينة وقلتِ ثمة ساحرة شريرة وقلتِ قرب القلعة القديمة كوخ يقطن بة شيخ يأكل الاطفال والاولاد أسمة "بيلا", ظننت أنني لا أخاف ولكن في تلك الليلة أشتدت بي ألاحلام وأنطلقتُ على صهوات خيل الوهم مسرعاً , وسهرت في سريري أنتظر ذئب وساحرة وشيخ.... ونهضت صباحاً وكانت فراشي مبللة .
أضحك حين أذكر كيف كان الخوف ينضج بين عروقك كلما ارتعشت على شفة القرنفل زفرة , وابكي حين يرجعني صرير الباب يا أمي الى القلم الذي اقترفت بة حنين الشوق لوجهك المشرق , فأقفلت المسافات والغربة خلفها برتاج أدبي وفني وكلماتي لأعيد فتحه من جديد مع كل نسمة شوق ولهفة  ,
 وعندما سافرت في المرة الاخيرة كنت أقف على عتبات دمعكِ كالفنار وكنتِ قد عبأت حقيبتي بالحنين والشوق ,وذكرياتكِ ربما هي ذكرياتي نفسها , ولأن الوداع صعب ومرير , صار يكفي يا امي أن أرى باباً لادخل في البكاء أو أن ألمس حائطاً حتى يصيرَ أرق من ثوبك ألاسود ذو الدوائر البيض , وأكثر ما يؤلمني رحيل يرسم ملامح وجهك على رمال خطواتي  وصدى كلمات الوداع  فهي ما زالت راقدة على ضفاف قلبي , قائلة لي , لا تنظر الى الخلف يا بني , امضي نحو النجاح , تلك الكلمات بالنسبة لي صلاة , صلاة  , صلاة  .

أنت معلمتي وأنت لغتي وانت وطني .
يا امي ,  كيف لي أن اسطر حروفي فهل تكفي عنك قطعة أدبية واحدة أو ديوان , فذاكرتي هذة مزدحمة بكل الحكايا القديمة الرائعة التي تنعش الروح والجسد وأستطيع ان ابقى مُرتمِياً على ورَقي وذاكرتي أشهر وسنين أعانقهُم وحيداً , تحتَ عَتْمِ الحبر , أنصِتُ لانهماري جيداً , وأرى أرتعاش الزهر عبرَ بخار نافذتي , أبلل باشتياقي معطفَ الكلمات وهي تمرُّ مسرعةً على ورقِ الرصيفِ , نافثة دخانَ مَشاهِد كانت قد تركت بنفسي اثراً....فيا امي يا وردة  ساجدة في أعماق النفس تسقي الروح بشذى عبقها الرائع الفائح في كل المعمورة,حتى تنفق كل رحيقها ويدركها التلف في سبيل أروائي , ليجسد هذا المشهد جزء من عاطفة الام التي لا حدود لها. هذا اصدق ما افعلة عندما يكون بداخلي أنين لا ينتهي , أكتب لكِ , لأنني عندما أخط واكتب اتذكر وجهك , يا سيدةُ الروحِ  والعمرِ يا فيضَ حنان , فطيفك يتفجر وجداً في سمائي , مذيباً صخب أفكاري ليفني المدى ولتحلق روحي نحو عينيكِ , واليوم لن أسميك أم بل أسميك كل شيء ,فعلا انت كل شيء,وكل ما أستطيع البوح لك في عيدك يا أمي إنني أحبك , وانني ما زلت ابحث عنها هنا كل صباح ومساء أقلب صورتها على جدران مخيلتي, أتطلع بين طوابيرالأمهات أبحث عن طيف امي , أبحث عن كسرة خبز من خبز أمي,وطبخة من طبخات امي فلا أجد فيشتد بي الحنان الى أمي بل والى لمسة أمي ودمعة أمي وصوت امي وأقول آه يا امي..وكل عام وانت بألف خير.
 اسمحوا لي بأن أتوجه الى جميع الامهات في العالم بأجمل التهاني القلبية راجياً من الله أن يعيده عليكن بالصحة والعافية وأن تكونن دائما الحضن الدافىء لأبنائكن لتستطيعوا القيام بواجبكن السامي تجاه البشرية وكل عام وأنتن بخير.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق