الحلقة المفقودة سامي أسعد
2013-03-20 14:05:59

بما أنّنا نثق ثقة كاملة بدور المرأة وقدراتها في تربية الأطفال في الأسرة، وتعليم الأبناء في المدرسة، فلم لا نثق بها في موقع القرار في المجلس المحليّ؟

   بمناسبة حلول موسم أعياد النّساء والأمّهات- يوم المرأة العالميّ وعيد الأمّ العربيّ- أقدّم تحيّاتي لكلّ رجل وامرأة يعطون من ذواتهم للآخرين ويطوّرون قدراتهم وآفاقهم ليصنعوا واقعا أفضل.
   عندما نتحدّث عن تكريم المرأة والأمّ في عيدها، أقترح أن ننظر إلى هذا المهرجان السّنويّ من منظار إضافيّ، لنرى أنّ هذا النّسق المتكرّر يهدف ( بإدراك أو بغير إدراك) لتطويق دور المرأة وتحديد مسؤوليّاتها وبالتّالي ترسيخ موقعها الاجتماعيّ الثّانويّ.
   الملفت للانتباه أنّه ومع قدوم موسم أعياد المرأة تزخر العواطف ويتدفّق الحنان وتنهمر الدّموع إلى حدّ الشّفقة، فتتحوّل الأمّ أو المرأة إلى عنوان عاطفيّ لا أكثر متجاهلين دورها الاجتماعيّ الفاعل أو التّنفيذيّ أو العمليّ، فتنهال علينا الأناشيد والقصص العاطفيّة المختلفة لتملأ أجواءنا لهفة وحنانا وعطفا وحتّى شفقة وحسرة على أُمّهاتنا.
   هل هذا النّسق هو بمحض الصّدفة والتّكرار؟ أم أنّه مُوَجّه؟ أو ربما تلقائيّ متأصّل فينا بإدراك أو بغير إدراك؟
   قد لا نستطيع أن نتجاهل نوايا المؤسّسين لأعياد المرأة في أوائل القرن الماضي من الأمريكان والسّوفيتيين الّذين ربّما أرادوا من خلال هذه المناسبة تعزيز موقع المرأة في المجتمع وعلى كافّة الأصعدة، ولكن الملحوظ في العقود الأخيرة أنّ هذه المناسبات تخدم بالدّرجة الأولى المنظومة الذّكوريّة الّتي تبغي تعزيز وتفضيل موقع الرّجل اجتماعيّا واقتصاديّا وسياسيّا ليكون يوم المرأة وعيد الأمّ بمثابة جوائز ترضية لا أكثر، فعندما نحتفي بعيد الأمّ نحتفل مجدّدا بموقع الأمّ ونحدّد مجدّدا إطار صلاحيّاتها الّذي يقتصر على إنجاب الأطفال وتربيتهم والاعتناء بالاحتياجات المنزليّة وتحضير الطّعام، والمُضحك في الأمر أنّه وفي غالب الأحيان تكون حتّى الهدايا المقدّمة للأمّهات في عيدهن هي أدوات عمل منزليّة ومطبخيّة تحديدا والهدايا الأكثر تطوّرا تذهب إلى العطور ومواد التّجميل وأدواتها، وكأنّ هذه الهدايا تقصّ لنا القصّة الحقيقيّة للمرأة في مجتمعنا، وهي وليدة ذهنيّة راسخة تضع المرأة في موقع محدّد وفي سياق اجتماعيّ محدّد.
   إنّ الحياة الاجتماعيّة في هذه البلاد وفي ظلّ هيمنة العولمة وما تفرضه من تحديات، تستوجب من الأفراد تطوير الذّات والقدرات كي تتسنّى لهم حياة كريمة من جهة، والقدرة على التّأثير ومواكبة التّحديات من جهة أخرى، وفي ظلّ هذا المناخ المعقّد يصبح العطاء الأموميّ نسبيّا بمعنى أنّ الاكتفاء بدور الأمّ التّقليديّ في الإنجاب وتغذية الأطفال وتربيتهم تربية أوّلية لم يعد كافيا، فالمتوقّع الآن من الأمّ – كما من الأب- ترسيخ العمليّة التّربويّة والتّثقيفيّة بما في ذلك تطوير الكفاءات والمهارات الذّاتيّة لدى الأبناء وتهيئتهم بالصّورة المُثلى لمجابهة التّحديات المستقبليّة. وما قد نلاحظه في السّنوات الأخيرة هو أنّ العمليّة التّربويّة لدى الكثيرين من الأهالي تقتصر على الماديّات بعيدا عن ترسيخ القيم والكفاءات.
   من جانب آخر نشهد في السّنوات الأخيرة في مجتمعنا حراك نسائيّ شبابيّ مبارك، يأخذ موقعه المؤثّر في الحياة الاجتماعيّة وحتّى الاقتصاديّة، فنسبة النّساء المتعلّمات في ازدياد متواصل حتّى أنّ أغلبيّة الطّلاب الجامعيين في مجتمعنا اليوم هم من النّساء، والأغلبيّة المُطلقة من الكوادر التّدريسيّة في مدارسنا هي أيضا من النّساء، إضافة إلى ذلك فنحن نشهد حراكا نسائيّا طلائعيّا في ممارسة وظائف مرموقة في مجال الطّبّ والهندسة والأكاديمية، وهذا يبعث على الأمل في أنّ النّساء في طريقهنّ إلى تحقيق تمثيلهنّ المجتمعي النّوعيّ.
   وفي سياق متّصل لا بدّ لنا أن نتوقّف عند حقيقة لافتة ومثيرة للقلق وهي أنّه وبالرّغم من الحراك النسّائيّ المبارك آنف الذّكر فهناك حيّز هامّ لم تستطع المرأة اختراقه حتّى الآن وهو المجال السّياسيّ فلا نرى تمثيلا نسائيّا على الصّعيد المحليّ وكأنّ هذا المجال بمثابة " طابو" للرّجال فقط، فلا يمكن تجاهل الخلل الواضح في التّمثيل السّياسيّ المحليّ، فكيف يُعقل أن تكون الهيئة العامّة  للمجلس المحلّي ممثّلة بنسبة 100% من أعضاء المجلس الرّجال في حين أنّ النّساء هنّ نصف المجتمع؟!
   من المنطقيّ والمطلوب أن يكون تقويم لهذا الخلل وإشراك الحلقة النّسائيّة المفقودة في السّياسة المحليّة والقياديّة لتكون شريكة كاملة في اتّخاذ القرارات وتحمّل مسؤوليّاتها أمام مجتمعها.
   فبما أنّنا نثق ثقة كاملة بدور المرأة وقدراتها في تربية الأطفال في الأسرة وتعليم الأبناء في المدرسة، فلم لا نثق بها في موقع القرار في المجلس المحليّ؟
   والملحوظ أنّه عندما يُطرح موضوع التّمثيل النّسائيّ في السّياسة المحليّة تكثُر عندها الأصوات المُشكّكة والمُغرضة وتثور المنظومة الذّكوريّة مندّدة ومعارضة لأنّها ترى في ذلك تخطيا لخطوط حمراء وخرقا وتهديدا للهيمنة الرّجوليّة وإباحة ما هو ممنوع، فدخول المرأة إلى الحقل السّياسيّ يُفهم كتخطٍ للدّور النّسائيّ المعهود والمتوارث.
   وأكثر ما يبعث على السّخرية والضّحك هو عندما يتساءل  الكثيرون ( رجالا على الأغلب) عن مؤهّلات وقدرات أيّة امرأة تريد أن تدخل الحقل السّياسيّ المحليّ وكأنّهم أصبحوا فجأة ممن يفكّرون موضوعيّا وينتخبون موضوعيّا ونسوا أنّ تفكيرهم عشائريّ وذهنيّتهم عائليّة عاطفيّة حمائليّة! والحقيقة هي أنّ هذه  التّساؤلات هي بمثابة زرع العقبات أمام أيّ حراك نسائيّ سياسيّ فاعل وتأمينا لاستمراريّة الهيمنة الذّكوريّة المجتمعيّة.
   إن كنّا نتطلّع لبناء مجتمع حضاريّ متطوّر وواعٍ فلا بدّ من إشراك المرأة في كافّة مناحي الحياة- الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة- لتلعب دورها كاملا ولتؤدّي واجبها اتّجاه مجتمعها ولتكون شريكة حقيقيّة في تحمّل مسؤوليّات وضعنا المجتمعيّ، وبقدر ما يكون الأمر متعلّقا بالرّغبة الرّجوليّة إلا أنّه متعلّق أيضاً بمدى المبادرة والجرأة والتّصميم النّسائيّ لفرض واقع جديد متكافئ نسير من خلاله إلى مجتمع حضاريّ يستثمر طاقات ومهارات وقدرات ابنائه وبناته كاملة.

دالية الكرمل
آذار2013

  

  
  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق