الفارس المترجل د. الياس شوفاني رمز النُبل والإباء ...
2013-03-06 11:31:04

بقلم : بشارة يعقوب –  كفرياسيف

هذه هي سنة الحياة التي لا بد منها , أن يلاقي كل انسان أجله فقد شاءت إرادة المولى أن يرحل عنا فارس طالما كان محطّ اعتزاز ورفعة لكل من عرفه أو تتلمذ على يديه . وإني لأعتز ولا أنسى الأستاذ الذي كان لي الشرف الكبير أن أنهل العلم من نبعه في المرحلة الإبتدائية , في وقت كانت الأستذة ذات اعتبار وكرامة اجتماعية لا تعرف الحدود .
أجل وبالتحديد سنة 1958 عندما كنت طالباً في الصف الخامس وبعد أن نالت يد الخبث والمكر منالها في ترحيل ابناء بلدتي إقرث الى قريتي الرامة ومعليا . عشنا في هذه القرية الوديعة متآخين متجانسين إجتماعياً , دينياً وفكرياً مع أهلها على كافة انتماءاتهم . حيث تآخينا معاً وكان والدي رحمه الله ( أبو بشارة ) صديقاً صدوقاً لكافة ابناء معليا فكان من عادة والد المرحوم الياس شوفاني ( أبو سليم ) أن يزور والدي في فصح القيامة لتأدية واجب المعايدة وذلك برفقة العشرات من أبناء القرية الواحدة .
أجل إنها لذكريات يصعب محوها من الذاكرة فهي راسخة في الضمير والوجدان . نحنُّ اليها أبداً حيث عمت المحبة وصفاء النفوس ما بين أبناء البلد الواحد .
لقد أرتأى هذا الرجل العصامي أن ينزح عن الوطن طالباً العلم والرقي مكافحاً مثابراً من أجل رفعة الأنسان والوطن . فكنا توّاقون الى طلّته , سعة صدره وحضوره الذي فرض الإحترام والإصغاء على سامعيه وطلابه  فرأينا به الرمز , الفارس , فانجلت به وسامة الرجال لما فيها هيبة ووقار .
لا أحد ينكر أنك ضحيت بالغالي والرخيص من أجل الوطن والأرض , فمحاولاتك في البناء ووضع الأسس تجلّت عندما أقَمتَ فكرة المتحف البلدي الذي يقبع في سراديب مدينة عكا التاريخية . فيومها عمل الأستاذ الياس على تحضير ورسم الخطط من اجل إنشاء هذا المتحف , فكل عود حراث أو جرن حجري وصورة لهي مجموعات اثرية تمّ جلبها الى المتحف بجهدك وستبقى شاهد عيان لكل امرئ يزور هذا المكان الأثري . ولا أعرف إذا كان أصحاب الشأن يقيّمون هذا العمل الجلل . والذي هو بمثابة شهادة فخرية في تفانيك وإخلاصك في خدمة التراث الوطني الفلسطيني .
باعتقادي لولا هذه الأيدي الطاهرة والنقية لهذا الرجل الفذّ لما قام هذا المشروع الشاهد على ماضينا الذي نفتخر ونتغنى به الى ابد الآبدين .
وقد أخبرني الأخ حنا شوفاني شقيق المرحوم أنه في تلك الفترة قام بزيارة المتحف رئيس الوزراء دافيد بن غوريون فذهل بملكية المرشد الرئيسي الياس للغة العبرية ... فقام بالإستفسار أهذا الشاب عربي أم  يهودي ؟  فاستبقه قائلاً : أنا لست بيهودياً وإنما بعربي فخور ..!!
لقد حرصت ايها الإنسان الصادق وعملت على عدم إندثارنا تقافياً . كرهت التمزق العائلي والطائفي , حذرتنا من الشعارات الضبابية التي لا تأتي بمضمون فعلي من أجل رفعة المجتمعات الإنسانية .
سنذكرك أبداً فأنت من الرجال الذين يصعب نسيانهم ومن الأستحالة عدم تذكرهم . وما توجهك الى كريمتيك هند ونور إلاّ بداية طريق وليس نهاية درب .
سنذكر أبداً قولك البليغ
ما ورثت وطناً حراً لأورثكما اياه
وما لُمت جدكما " والديّ "  على ضياع الوطن
أملي ألاّ تحملاني مسؤولية الإخفاق في تحريره
..... لقد حاولت ....
الى جنة الخلد يا سيّد الرجال !!

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق