ومـا كان الدُّروزُ قَبيلَ شرٍّ وإن أُخِذوا بما لم يَستحِقُّوا
2013-03-04 19:58:39

جرمانا: تجربة في الأمل السوري! بقلم /جديع دوارة
 قال امير الشعراء احمد شوقي              
سلامٌ من صَبـــــا بَرَدى أَرقُّ        ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يـــــا دِمَشْقُ
جزاكم ذو الجلالِ بني دِمَشقٍ        وعزُّ الشـــــرقِ أَوَّلُهُ دِمَشْقُ
نصرتم يومَ مِحنتهِ أَخــــــاكم        وكلُّ أَخٍ بنصرِ أَخيــــــه حق
ومـــــا كان الدُّروزُ قَبيلَ شرٍّ         وإن أُخِذوا بمــا لم يَستحِقُّوا
ولكنْ ذادَةٌ، وقُـــــــراةُ ضيفٍ         كينبوعِ الصَّفا خَشُنوا ورَقُّوا
لــــــــهم جبلٌ أَشمُّ له شعافٌ         موارد في السحاب الجُونِ بُلْق
لكلِّ لبوءَة، ولــــــــــــكلِّ شِبْلٍ        نِضــــــــالٌ دونَ غايتِه ورَشْق
كـــــأَن مِن السَّمَوْأَلِ فيه شيئاً         فـــــــكلُّ جِهاتِه شرفٌ وخلْق

ليس صدفةً أن يختار آلاف المهجرين مدينة جرمانا ملاذاً لهم ولأطفالهم، أتوا من كل أنحاء سوريا ومن ريف دمشق بشكل خاص، وهم على ثقة بأن المحبة والصلة الطيبة التي نمت في حضن الغوطة عبر مئات السنين لن تموت مهما علا صوت الرصاص.

ما توقعه المهجرون وجد ترجمته العملية لدى شباب وصبايا جرمانا الناشطين في مجال العمل الإغاثي، لقد وحّدوا جهودهم عبر لجنة الإغاثة، بعد أن كانوا عدة مجموعات وأفرادا متناثرين، وسرعان ما انتظم عملهم كخلية نحل، في فريق عمل واحد، مجموعة تعمل على جمع المساعدات من المتبرعين، ومجموعة تزور العائلات القادمة لتسجل احتياجاتها، ومجموعة تعمل في إعداد 'سلل غذائية' تحتوي المواد الأساسية لمعيشة الأسرة، وقسم متخصص للدعم النفسي للأطفال والتعليمي، وقسم لطهي الطعام وتوزعه بشكل يومي.

مطبخ جرمانا للمهجرين
بعد التجربة الناجحة للمطبخ الذي افتتحه شباب وصبايا جرمانا في رمضان الماضي لطهو الطعام وتوزيعه على نحو 400 عائلة من المهجرين في المدينة، اليوم يعيدون التجربة ويفتتحون مطبخا جديدا لإعداد الطعام وبشكل يومي للمهجرين الذين تم استقبالهم في مأوى تم افتتاحه منذ نحو شهر ونصف في مبنى ملعب جرمانا.

توضح إحدى سيدات جرمانا من فريق العمل التطوعي 'حصلنا على مركز للإيواء بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر شعبة جرمانا، وموافقة مجلس المدينة، ونحن نتولى الطبخ بشكل يومي للأسر المهجرة في المأوى'.

في بداية إنشاء المطبخ من قبل لجنة الإغاثة كان شباب وصبايا جرمانا يتولون الطبخ وكل الأعمال المرافقة من تحضير وطهي وتوزيع وجلي..
لكن بتوطد العلاقة مع المهجرين، أصبح هناك نوع من التعاون المشترك، فالمسؤول عن طبخة اليوم لمركز الإيواء هو 'شيف' من المهجرين أصرّ على أن نتذوق طبخته (رز وبازليا) وفعلاً كانت لذيذة بشهادة الجميع.
يقول الشيف: 'بيتي تهدم، لم أستطع أن أُخرج منه عندما نزحت إلا بعض الثياب'، ويتابع ' أتيت من زملكا مع عائلتي إلى جرمانا واستقبلنا الشباب ولم يبخلوا علينا بشيء، هم يقومون بأعمالٍ خيرية ويساعدوننا نحن كأسر مهجرة، يعاملوننا كأهل وأخوة لهم، أمنوا لنا السكن، يوزعون لنا حتى ما يفوق طاقتهم، ودون مقابل، وحاجاتنا من الثياب والطعام والشراب كل شيء مؤمن'.

وحول اختيار الطبخة وجودة الطعام يجيب مبتسماً 'نتشاور مع الصبايا وأحياناً يتم تلبية رغبات المهجرين بالنسبة للطبخ، ولا يوجد شكاوى على جودة الطعام لان هذا هو عملي قبل أن أصبح مهجراً'.

و... خارج جرمانا
لم تفتصر تجربة الطبخ للمهجرين داخل جرمانا، حيث بادرت لجنة الإغاثة بالطبخ لمئات المهجرين خارج المدينة.

توضح إحدى الناشطات في مجال الإغاثة: 'بعد أحداث مخيم اليرموك قمنا بطهو الطعام في مطبخ جرمانا وإرسال الطعام إلى العائلات النازحة (لنحو 450 مهجر) في مناطق خارج جرمانا، أرسلنا إلى مركز الإيواء الكائن في منطقة الزاهرة بمدرسة الشهيد سعد سعد و يوجد به مهجرون من مخيم اليرموك، والى مركز آخر في ركن الدين، ومازلنا نتعاون مع القائمين على تلك المراكز ونقدم لهم الطعام كلما طلبوا ذلك منا'.

فريق عمل لجنة الإغاثة
أما عن الكادر الذي يقوم بعمل لجنة الإغاثة في جرمانا، تقول إحدى الشابات 'فريق عملنا من الشباب والصبايا القاطنين في جرمانا، يقدمون هذا العمل تطوعاً، العدد الأساسي والدائم نحو 15 شاباً وصبية، والعدد الإجمالي يصل إلى نحو 40 و50 متطوعاً من سكان جرمانا'، يذهب البعض ويأتي آخرون.

وتضيف 'نحن ننطلق في عملنا أولا من الجانب الإنساني ومن البعد الوطني الذي يجمعنا كسوريين، فدائما في الحروب هناك مدن تضمد الجراح وتكون ملجأ آمناً للأسر الهاربة من جحيم الموت والدمار'.

إحدى الشابات المتطوعات (س) توضح سبب اختيارها لهذا العمل: 'أنا من يجب أن يشكر المهجرين لأنهم عبر هذا العمل أتاحوا لي الشعور بأني أقدم شيء بدلاً من الجلوس متفرجة' وتكشف بأنها باعت أحد أعمالها الفنية إلى وزارة الثقافة وتبرعت بثمنه إلى لجنة الإغاثة، لمساعدة المهجرين.

دعم نفسي وطبي متخصص
بالإضافة لجهود شباب وصبايا جرمانا في تقديم الطعام والمأوى واللباس والفرش للمهجرين، تقدم اللجنة الدعم النفسي والطبي الرعاية الصحية والنفسية المتخصصة. وتشرح إحدى سيدات جرمانا المشرفة على هذا العمل 'نقدم دعماً نفسياً عبر أخصائيين وكذلك محاضرات توعية للنساء المهجرات، فنحن حريصون على مسألة السلم الأهلي وتخفيف الاحتقان بين كل الأطراف'.

وتتابع: 'نوضح من خلال هذا العمل أننا نعمل على تعزيز فكرة التعايش المشترك من خلال الحوارات والعمل على تخفيف الاحتقان، وتجد مبادرتنا استجابة جيدة، الجميع يتفاعل معنا ويؤكدون على فكرة أننا جميعا ننتمي لسوريا، وينبذون الفكر الطائفي'.
وتتابع السيدة 'نحاول أيضا العمل على موضوع الدعم النفسي وكذلك الصحي فهناك تواصل مع العائلات، ونشاطات للدعم النفسي خاصة للأطفال، من خلال حلقات الفنون والرسم والتلوين، لما يقارب 30 طفلاَ،
إلى جانب جلسات توعية نسائية من قبل مشرفين متخصصين في الدعم النفسي لحوالي 25 سيدة'.
مصادر دعم الإغاثة

وحول مصادر دعم المهجرين تؤكد إحدى السيدات الناشطات في مجال الإغاثة بأنه: 'في البداية اعتمدنا على أنفسنا. كل شخص كان يجلب من منزله ما يستطيع التبرع به من فرش وطعام وغيره، لكن مع تقدم العمل وما حققناه من ثقة وسمعة طيبة، أصبح هناك تمويل أهلي، فأهالي جرمانا يتبرعون بشكلٍ جيد خاصة في البطانيات والثياب، كذلك يتبرعون للمطبخ كتقديم وجبة غداء كاملة للأسر، هناك تفاعل أهلي جيد، لكن نطمح للمزيد'.

وتكشف بأن أحد سكان جرمانا - رفض ذكر اسمه - تبرع منذ يومين بخروف، قاموا بتقطيعه وحفظة في البراد من أجل توزيعه على الطبخات اليومية.

وتوضح السيدة أن هناك عددا من التجمعات المدنية الأهلية في جرمانا تقدم الدعم العيني للمهجرين.
ولا تنكر السيدة مساعدة بلدية جرمانا التي تؤمن الغاز للمطبخ، كما تشيد بالدور المهم للكنيسة في المساعدة على افتتاح المطبخ وتجهيزه.

وتضيف السيدة 'في الفترة الأخيرة حققت اللجنة سمعة جيدة وأصبح هناك تفاعل لا بأس به من الأهالي، لكن أهم نقطة ساهمت في نجاح اللجنة هو تطوع الشباب الناشطين في المجال الإغاثي'.

وتتابع: 'التبرعات عموماً هي فردية وغالباً المتبرعون لا يرغبون بذكر أسماءهم، ونشكر الكنيسة على مساعدتنا، بالمقابل لدينا عتب على لجنة الوقف في جرمانا فهي لم تساعدنا بما يتناسب مع إمكاناتها'.

شهادات المهجرين وللمهجرين رأيهم فيما يقدمه شباب وصبايا جرمانا، سيدة مهجرة من زملكا أتت مع أطفالها الستة إلى مركز الإيواء بجرمانا منذ حوالي شهر ونصف تصف ما تمّ تقديمه لعائلتها بالقول: 'شباب وصبايا جرمانا يعملون كل ما بوسعهم لنشعر أننا لم نغادر منازلنا يعملون ليل نهار لأجلنا، قدموا لنا المساعدة حتى من بيوتهم'.

وبحسب السيدة فإن معاناتهم في مركز الإيواء تتمثل في 'انقطاع المياه أحياناً'، وفي 'البرد حين تنقطع الكهرباء'، كما شكت من نقص 'فوط وحليب الأطفال'، وأشارت أن المغاسل والحمامات بحاجة إلى صيانة.
وأضافت 'نحن هنا ليس لدينا عمل فخسرنا أشغالنا بسبب الأوضاع الحالية، لذلك نحن بحاجة لكل شيء'.
أما السيدة (هاء) وهي مهجرة تقيم في المأوى فتقول: 'نحن 7 أشخاص، التعامل هنا جيد ويقدمون لنا الطعام والشراب والمأوى، لكن ينقصنا حليب وفوط الأطفال والشامبو'.

أيضا السيدة السبعنية أم (م) المهجرة من زملكا فتقول: 'يقدمون لنا كل شيء لكن هناك نقصا في حليب الأطفال والفوط' .

وحول الوضع في جرمانا يقول أحد المهجرين: 'أريد أن أقول أن جرمانا بلد آمنة، وأشكر الأهالي، لا يوجد أي إزعاجات تعرضنا لها سوى أن 'اللجان الشعبية' في بعض الحواجز لا يسمحون لنا بالمرور'.

قريباً غرف جديدة لتوسيع المأوى
مركز الإيواء الحالي هو عدد من الغرف الموجودة في بناء ملعب جرمانا التابع للاتحاد الرياضي، مصدر مطلع كشف بأنه يتم العمل حالياً على التوسع بنحو 25 غرفة جديدة، والعمل جار على تقطيعها وتجهيزها، ويفترض أن تجهز تلك الغرف خلال 15 يوماً، ولا يخفي المصدر بأن هناك 'أسرا أتت إلى جرمانا لكن لم يتم استضافتها في المركز بسبب نقص الغرف'.

تستوعب كل غرفة في المركز نحو 14 شخصاً، مع الحرص على أن يكونوا من عائلة واحدة.

ويكشف المصدر بأن القائمين على المركز 'حاولوا التواصل مع منظمات دولية لزيادة عدد مراكز الإيواء في جرمانا و لم يتلقوا سوى الوعود...'
ويثني المصدر على العمل الاهلي الذي تقوم به لجنة الإغاثة في جرمانا، فالهدف هو 'أن يشعر الضيوف أن المكان لهم وحتى لا يشعروا بالغربة'.
وعن المنغصات يقول 'أتمنى أن يكون هناك تعاون لتأمين كامل الاحتياجات، لتقديم كل ما هو مطلوب وتأمين الإمكانيات اللازمة لذلك'.

نقص مصادر الدعم..
لا يقتصر عمل لجنة الإغاثة في جرمانا على الموجودين في المأوى، بل تحاول- بما يتوفر لديها من إمكانات - أن تساعد كل المهجرين الذين لا يستطيع الهلال الأحمر تغطية احتياجاتهم.

تشير قوائم الهلال الأحمر في جرمانا لوجود نحو 8 آلاف أسرة مهجرة (أي نحو 40 ألف مهجر) تسكن في المنطقة الممتدة من جرمانا إلى الكشكول والدويلعه، لكن هذا الرقم لا يشمل كل المهجرين في المدينة، كما أن الهلال لا يقدم كل شيء للأسر، من هنا كان لوجود لجنة الإغاثة أهمية كبيرة لسد الفراغ وتقديم الغداء اليومي لمئات الأسر.

يتراوح العدد الذي تغطية لجنة الإغاثة حالياً بين 300 إلى 400 أسرة، كما توزع بحدود 300 سلة غذائية شهرياً، وتقديم كل ما يعجز عن تغطيته الهلال الأحمر من فرش وعدة طبخ وكثير من الاحتياجات الأخرى لمن يقومون باستئجار شقق في المدينة.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية وزعت لجنة الإغاثة نحو 2000 بطانية، ونحو 1000 سلة غذائية ( قيمة السلة الواحدة بين 3000 ل.س و3500 ل.س) اي ما قيمته 3،5 مليون ليرة سورية. هذا عدا عن مواد التنظيف ومعدات طبخ وفرشات وتجهيزات تدفئة.

في المحصلة ورغم كل الجهود التي تبذل فإن إمكانات لجنة الإغاثة 'محدودة' ما يجعلها لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات والتوسع في أعداد الذين تقدم لهم المعونة.

يناشد أحد ناشطي العمل الإغاثي في جرمانا 'كل من لدية قدرة مهما كانت بسيطة المبادرة لدعم لجنة الإغاثة كي تتمكن من مساعدة أهلنا الذين قصدوا المدينة يطلبون سلامة حياتهم، واستمرار عائلاتهم بالعيش الكريم'.

ويذكر الناشط الاغاثي بأن 'أهل جرمانا سبق لهم أن احتضنوا الأخوة من لبنان ومن فلسطين وكذلك المهجرين من العراق، وقدموا نموذجاً للتعايش المشترك والتعاضد والتكاتف، فكيف والحال اليوم بتعلق بأبناء البلد، يتعلق بجيرانهم من أبناء الغوطة الذين تربطهم بهم علاقات صلة وأخوة تمتد في عمق التاريخ'.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق