استقل القطار بالوقت المناسب!! بقلم حسين الشاعر– شفاعمرو
2013-02-17 10:54:03

لم أتخيل نفسي أسبوعاً كاملاً بدون هاتفي النقال وبدون فتح يوميات العمل و.. تجرأت وقررت يجب أن آخذ قسطا من الراحة في الوقت المناسب، لتغيير نوعية الهواء الذي استنشقه يومياً في حياتي وعملي، وقبل ان أصل الى مرض الروتين يجب ان أجد الدواء قبل الوقوع بالداء.. من اجل ذلك حزمت امري وحقيبتي.. وفعلا سافرت الى الدولة الأوروبية التي تسمى "المانيا".
عندما وطئت قدماي الأراضي الألمانية شعرت أن الهواء يختلف.. وأنني في كوكب آخر من عالمنا.. كان في استقبالي خمسة طلاب من مدينتي شفاعمرو الذين يدرسون الطب العام في جامعة مدينة ماينز في وسط شمال المانيا.
استقلينا القطار من مطار فرنكفورت، الذي يعتبر من اكبر المطارات العالمية، بإتجاه بيت الطلبة. ومنذ اللحظة الأولى شعرت كم اشتياقهم وحنينهم كبير الى بلادهم وعائلاتهم إلا أنهم في نفس الوقت على قدر كبير من المسؤولية والإرادة في نيل الشهادة الجامعية.
حكايتي في هذه الرحلة طويلة ومتعددة تحتاج الى أكثر من مقال ولكن باختصار، ما استنتجه هو:
أولا: انه بالرغم من البرد القارس وتساقط الثلوج ودرجة الحرارة تحت الصفر.. الا أن ما أثلج صدري ان قلوب الطلبة كانت تشع دفئاً، وغنية بالإيمان وإلارادة والأمل في بلوغ هدفهم السامي بالعودة الى الديار بشهادات الطب.. وأنا اشهد لهم ان هذه المهمة ليست بالسهلة، ولكن رسالتهم كانت واحدة لن تساوي كلمات التقدير والشكر كلها للأهل على دعمهم المتواصل.
ثانياً : الوقت !! أعجبتني ان كلمة سوف أو بعد حين ألغيت من القاموس الألماني، بعكس عاداتنا التي نعتز بكلمة سوف نعمل وسوف وسوف.. بإعتقادي ان التسويف أصبح جزءا من حضارتنا التي تشيع فيها الفوضى، ويجعلنا دائماً سريعي الحركة في غير إنجاز، كما يجعلنا أكثر توتراً وانشغالا وللأسف أقل عطاءً وحتى إنتاجاً.
عندما أردنا السفر بالقطار في مدينة هلدينبرغ فاتنا بخمس ثواني.. نعم خمس ثواني تأخرنا عن الموعد ولم نجد القطار عندها أدركت أن الوقت في المانيا أغلى من الذهب.. وصدق المثل القائل: " أنت ألماني بالوقت".. نعم الوقت في المانيا كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وهكذا الحياة في ألمانيا في جميع المجالات والمؤسسات والمحلات التجارية فكلها تتعامل مع الوقت بدقة متناهية للغاية.
هذا يقودنا الى حياتنا اليومية والمفارقة والمقارنة والفرق بين من يركب القطار بالوقت المناسب وبين من تأخر وركب في موعد آخر.. الفرق بسيط يعود الى تنظيم وقتنا.. وبالذات عندما نضيع كل يوم الكثير من الأوقات ربما لفشلنا في إدارة حياتنا بالشكل المنتظم .
يتساءل بنيامين فرانكلين قائلاً: هل تحب الحياة؟ إذن لا تضيع الوقت فذلك الوقت هو ما صنعت منه الحياة.. وما أروع ما قاله الحسن البصري – رحمه الله- حين ساوى (الإنسان) بأيام عمره فقال: " يا ابن أدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك .. ذهب بعضك".
وأخيراً عزيزي القارئ لا تؤجل عملاً، ولا تقتل وقتك بيدك، فأنت تقتل عمرك دون ان تدري، وتضيع أغلى وأثمن ما تملك في الحياة، لذلك عليك ان تحرص على الوقت أكثر من المال، وكن مستعداً في الوقت المناسب وكن أول من يستقل القطار الى حياة أخرى من الزمن.
إجمالاً.. رحلتي لا تنسى، فقد استمتعت بكل لحظة، ولم أضيع الوقت وخاصةً اني استغنيت قليلا عن رنين الهاتف وو.. وألف شكر لجميع الطلبة الشفاعمرين.. وسأنشر تقريراً خاصاً عنهم خلال الأسبوع القادم.
وكما يقال في نهاية كل مباراة كرة قدم، لا تلعب بالوقت الضائع لأنه في كثير من الأحيان تركض دون جدوى.. لذلك عليك أن تستقل القطار قبل أن يفوتك ويتحرك..

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق