السّياسة العاطفيّة بقلم سامي أسعد
2013-02-09 11:20:08

بما أنّ الذّهنيّة العشائريّة النّمطيّة مستحوذة على الأخضر واليابس وبما أنّها المحرّك الأساسي لتوجّهاتنا السّياسيّة وهي أساس السّوء والأسوأ، فبأيّ حقّ نتوقع ونطالب بالأفضل؟!
   منذ عقود ونحن ننتهج التّفكير العاطفيّ والعشائريّ  في حراكنا السّياسيّ المحليّ والّذي يصل إلى ذروته مع اقتراب استحقاق انتخابات المجالس المحليّة، فقد أضحت السّلطة المحليّة في مجتمعنا العربيّ عنوان كرامة وجاه وعنوان عنجهيّات وعنوان نفوذ وسيطرة وعنوان عنفوان واستحواذ وتفضيل العشيرة على العشيرة والعائلة على العائلة والمجموعة على الأخرى، اتساءل إذا: باللّه عليكم ألم تتعبوا؟ ألم تسأموا؟ ألم تمتعضوا من كذا مهزلة ومن كذا تخلّف؟!
   كيف لنا أن نتوقع الخدمات المدنيّة والمهنيّة من رئيس مجلس محليّ ينتخب عشائريّا وعاطفيّا؟ وكيف لنا أن نتوقّع المهنيّة في بناية المجلس المحليّ وقد حوّلناها إلى خيمة قبليّة؟
   ما دمنا نفكّر عاطفيّا فسننتخب عاطفيّا وسنحصل على أداء سلطويّ عاطفيّ، هذه هي المعادلة البسيطة التي ترافقنا منذ عقود وللأـسف ما زالت!
والعجيب أننا نتغنّى بالتّمدّن وبالتّطوّر الفكريّ والسّلوكيّ وحريّة الرّأي ولكن عندما يصل الأمر الى التّحرر الفكريّ السياسيّ عندها نصطدم بحواجز قبليّة وعائليّة، تحول دون اختراق الحلقات المغلقة فنعود الى الدّفيئة العاطفيّة "المضمونة" والمريحة وننزع عن أنفسنا طائل المسؤوليّة. والأنكى من هذا أنّنا نطوّر ونعزّز من الطّرح الفاسد الّذي يدّعي بأنّ التّنظيم العائلي هو البديل عن التّنظيم الحزبي والفكري في مجتمعنا وأنّه لزام علينا أن نقرّ بهذا الطّرح وبهذا الواقع وأن نتعاطى معه عقلانيّا.
   نصيحتي لكلّ مواطن في مجتمعنا: قلِّص من توقّعاتك لخدمات مدنيّة ومهنيّة للمجلس المحليّ ما دمت تنتخب رئيسه وأعضاءه عائليّا! فكلّما ازدادت االعائليّة السّياسيّة انخفض مستوى الخدمات وكلّما ضعفت العائليّة السّياسيّة ارتفع مستوى الخدمات- المعادلة بسيطة والأمر بيديك عزيزي المواطن!
  لن أتردّد وسأقولها مدويّة: الويل لنا! الويل لواقع صنعناه ونعيشه ونرضخ تحت كاهله، وعائلات تنتظم سياسيا وتُسخِّر ضمائر أبنائها لضمان وظيفة هنا ووظيفة هناك، فبربّكم كيف إذا تتوقّعون مهنيّة وخدمات من رئيس المجلس المحلّي بعد الانتخابات في حين أبرمتم معه صفقات فاسدة قبل الانتخابات؟ والأخطر من ذلك عندما تصل هذه الصّفقات لتطال الوظائف الجوهريّة والحسّاسة في الجهاز التّربويّ فعندها نزيد من المأساة مأساة.
   والملحوظ في موضوع الصّفقات هو أنّ أكثر العائلات كآبة هي تلك الّتي وُعِدت بوظيفة لأحد أبنائها  قبل الانتخابات وفي نهاية المطاف أدار رئيس المجلس المنتخب ظهره لها فبقيت مع الوعود تنزف وتندب، هذا المشهد المتكرر يعزّز من القناعة أن التنظيم العائلي السّياسي بمصالحه " ما بيقدّم وبالتّأكيد بيأخّر" وهو هدر طاقات ومجهود يذهب سدى وهو تقييد فكريّ مأساويّ يسلب دور الأفراد وضمائرهم تحت شعارات اتّحاديّة فارغة.
   أعزّائي، إنّ التّغيير في توجّهاتنا السّياسيّة المحليّة وتعزيز دور الفرد وقناعاته سيُفضي حتما إلى وضع سياسيّ جديد يحتّم على أيّ مرشّح سياسيّ الحديث الى الأفراد وإقناعهم بقدراته وكفاءاته وبرنامجه السّياسيّ وبمدى مسؤوليته وقدرته على إدارة المؤسسة البلديّة، وبالتّالي سيكون هذا المرشّح أو ذاك في موقع المساءلة والمراقبة والتّنفيذ، هذه الوضعيّة الجديدة ستحدّد بالضّرورة نوعيّة المرشّحين في العمل السّياسيّ، إذ سيدخل المعترك السّياسي فقط من هم أهلا وكفء لذلك، فنكون بذلك قد غيّرنا من قواعد اللّعبة وجعلناها أكثر نجاعة.
   وفي هذا السّياق أقول وللتّوضيح: إنه فيما إذا ألغينا الاجتماعات العائليّة السّياسيّة المحضة مع أيّ من المرشّحين السّياسيين وبدلا منها نقيم لقاءات شخصية فرديّة وحلقات بيتيّة على أساس الجيرة أو الصّداقة فنكون بذلك وبالضّرورة قد فرضنا نقاشا موضوعيّا صريحا وثاقبا مع هؤلاء المرشّحين، وقد يكون اللّقاء أو التّعاون أو التّنظيم السّياسّي لهؤلاء الأفراد تحت خانة التّجمع السّياسيّ المناطقيّ وهو تحوّل مبارك في تعاملنا مع السّياسيين ومع السّلطة بشكل عام، فلقاء الجيران في حيّ معيّن في إطار لجنة مُنتخبة تعنى بشؤون الحيّ الحياتية وتكون عنوانا للتّعاطي مع السّلطة- هذا اللّقاء هو بديل عمليّ وموضوعيّ للتّنظيم العائلي النّمطيّ، فلنتصوّر وضعيّة تنتظم فيها كلّ حارات البلدة في لجان منتخبة من منطلق القربى المناطقيّة وليس العائلية- تفرض نفسها وتحاسب السّلطة المحليّة وتنتخب وفق قناعاتها ومدى اهتمام السّلطة بها.
      قد يطعن البعض ويشكّك عند قراءة هذه السّطور بمدى واقعيّة الطّرح الّذي أتناوله معللين بأن هذا هو واقعنا العائليّ وهو البنيّة الاجتماعيّة الّتي نعيشها منذ عقود وهذه هي قواعد اللّعبة المتعارف عليها، لهؤلاء أقول إن الاعتراف بالواقع لا يعني بأنّنا نقبله أو أنّنا راضين عنه بل العكس فهو يحفّزنا لوخزة ضمير ولفعل شيء ما للتّغيير فيه.
   أبناء بلدي ومجتمعي آن الأوان أن ننفض عنّا غبارا وأن نزيل سلاسل تقيّدنا وأن نجرؤ على تفكير مغاير وأن نفرض أنفسنا بضمائرنا وتوجّهاتنا وأن نتحمّل مسؤوليّة واقعنا. كفى لمنظومة القطيع تسيّرنا فقد خلق الإنسان مخيّرا لا مسيّرا!
ليس هناك أفضل من أن أختم حديثي بقولٍ للمفكّر المصري الكبير خالد محمّد خالد: " تقبّل وجودك وطوّره، واختر حياتك وعشها، وابق الى النّهاية رافعا رايتك".

دالية الكرمل
شباط 2013

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق