إنما الاعمال بالنّيّات بقلم: دكتور نجيب صعب – أبو سنان
2013-02-07 17:43:13

عندما كان أبي صغيراً سَمِع هذه القصّة وهو بدوره قد قصّها عليّ حيث قال: يا بني، يروى أن شاباً وإسمه "فارس" قد خرج يوماً للصّيد وراح يقطع مسافات حتى أضاع طريقه وظل يطوف في البلاد دون أن يهتدي الى بلده، وقضى في ذلك سنين عديدة لا يعرف أحد عنه شيئاً.
 مرّت الايام وتوالت الليالي والاهل والاقارب قلقون على ولدهم ، قلقون على غيابه حتى يئسوا من التفتيش والانتظار وبقي الجميع والوالدان ينتظرون الفرج من عند الله.
 الاّ أن والدة فارس زريفة لم تنسَ ولدها مطلقاً وظلّت ترقب الايام وتتلوع في لياليها وترجو عودة ولدها الغالي الذي عاشت من أجله.
 وفي هذه الظروف حصل محل وقحط في البلاد وكثيرون هم الذين توجّهوا الى بيت زريفة (الام) يطلبون لقمة الخبز وذلك لما كان لديها ولدى زوجها وفرة من الرزق والاموال.
 وكانت هناك عجوز تعيش في حيٍ قريب من بلدة زريفة أخذت هذه العجوز من شدة فقرها وحالتها اليائسة تتردد يومياً على زريفة لتحصل على رغيف من الخبز تقتات به في يومها وإستمرت زمناً على هذا المنوال.
 وفي ذات يوم قدِمت هذه العجوز الى دار زريفة على عادتها في الصباح فأخذت نصيبها وقفلت راجعة الى بيتها ويبدو أن زريفة قد أُصيبت بمس من الجنون فخطر لها أن تنتقم من الدنيا ومن فيها لأنها حُرمت إبنها.
 وقد فكّرت إذا كان للمجنون أن يفكّر في التّخلص من الكبار أحسن أولا وستبدأ بالعجوز التي تزورها كل صباح وذلك بأن تضع في الرّغيف الذي إعتادت أن تملأه بالزيت والزعتر سماً يقتل هذه العجوز المسكينة في الوقت الذي كانت فيه العجوز تدعو الله في كل وقت أن يمدّ الله في عمر زريفة. وفي صبيحة اليوم التالي قدِمت العجوز على عادتها حيث حصلت على الرغيف التي إعتادت أن تحصل عليه يومياً وكان هذا الرغيف الذي وضع فيه السّم.
 عادت العجوز من حيث أتت وفي طريقها جلست تستظل في ظل شجرة، وفيما هي جالسة إذا بشاب ظريف الشكل والطلعة معتلياً صهوة جواده مقبلاً عليها الى أن وصلها، وبعد أن ألقى عليها السلام ردت هي التحيّة أيضاً، ولما كان الشاب جائعاً طلب منها أن تطعمه أو تحضر له طعاماً ما لانه مضى عليه زمن لم يتناول فيه طعام.
 فما كان مع العجوز إلآ أن أعطته الرغيف ألذي أخذته من زريفة دون أن تعلم ما به وعلى حسن نيّة فالتهمه الشاب التهاماً من شدّة جوعه دون أن يدري ما به، ولم تمضِ فترة قصيرة من الوقت وإلا وسقط الشاب ميتاً بالسم الذي في الرغيف فذهلت العجوز لهذا المنظر حيث قفلت راجعة الى زريفة لتعلمها بالامر فغضبت زريفة لما سمعت لا لموت الشاب ولكن لأن العجوز لم تمت. وهرع الاهالي نحو المكان الذي فيه الشاب ونظروا فإذا هو فارس إبن تلك المرأة القاتلة زريفة! .
  فصرخت الام زريفة "واولداه" ! وندمت وتأسفت وفقدت وعيها حيث لا ينفع الندم أو الجنون وهنا يصدق الحديث الشريف (إنما الاعمال بالنيّات ولكل إمرئ ما نوى).
 والعبرة هنا هي على الجميع أن يتّعِظوا من هذه الحكاية الصغيرة التي تنطوي على معاني يجب على الكثيرين التروي والتريّث والتفكير .
 إن علينا الآ نخف من نوايا الناس علينا بل ان نخاف من نوايانا على الناس لأن في ذلك ايمان صادق.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق