الغارة الاسرائيلية-الامريكية،أهداف وسياق بقلم اليف صباغ
2013-02-07 10:50:19

ما يزال صدى الغارة العسكرية  الاسرائيلية على سوريا فجر الثلاثين من كانون ثاني، دون حصول رد سوري متناسب، يتفاعل ويحتاج الى مزيد من التحليل والتمحيص لمعرفة أهداف هذا العدوان وسياقه الاقليمي وربما الدولي، من خلال علاقته بأحداث أخرى، عسكرية وسياسية، حصلت وتحصل في المنطقة وكان آخرها توجيه اتهام رسمي من حكومة بلغاريا الى حزب الله تتهمه فيه بالمسؤولية عن تفجير بُرغاز في الصيف الماضي. فما الاهم؟ الاتهام وقد وجهته اسرائيل الى حزب الله بعد دقائق من حصول التفجير، وكأنها كانت تعلم به مسبقا؟ ام توقيت الاتهام البلغاري بالأمس؟
كتبت آنذاك، ان اسرائيل ترتبط مع بلغاريا بعلاقات أمنية جديدة ويقوم سلاح الجو الاسرائيلي بتديبات عسكرية في بلغاريا في اعقاب تدهور العلاقات مع تركيا، ولكن امرا هاما بالنسبة لاسرائيل لم يتحقق لها في هذا السياق، وهو السماح للموساد الاسرائيلي بنشاط أمني استخباري في بلغاريا، خاصة في المدن السياحية التي يزورها العرب والعربان مثل مدينة برغاز الواقعة على البحر الاسود. ومن هنا أبديت شكوكي في الاتهام الاسرائيلي المباشر لحزب الله، وتساءلت، ما اذا كانت العملية المذكورة و/او اتهام حزب الله، تستهدف الضغط على بلغاريا لتحقيق ذلك الهدف؟ والنتيجة الفورية لتلك العملية تشير بقوة الى حقيقة ذلك. ولكن يبقى السؤال، هل تم اختياريوم امس بالذات، لاتهام حزب الله، رسميا من بلغاريا، صدفة؟  واذا كان الاتهام الاسرائيلي المباشر لحزب الله قد  حقق لاسرائيل امكانية النشاط المخابراتي في المدن السياحية البلغارية، فان توقيت الاتهام البلغاري بالامس جاء في سياق مرتبط بالحملة السياسية والعسكرية التي تقوم بها اسرائيل وامريكا هذه الايام ضد محور المقاومة عامة بما في ذلك حزب الله، والاهم ضد حلقته الوسطى سوريا.

للوصول الى استنتاجات منطقية لاهداف الغارة الاسرائيلية على مركز للبحث العلمي في ضواحي دمشق، وعلاقته بالاتهامات الموجهة الى حزب الله اليوم، لا بد ان نعتمد على حقائق ومعلومات وتجربة الماضي وليس على خيال جامح، ولا بد من مراجعة مجمل احداث هذا الاسبوع وعلاقاتها فيما بينها. لقد شنت الطائرات الاسرائيلية غارتها على مركز علمي في ضواحي دمشق وادعت انها قصفت قافلة كانت تحمل اسلحة متطورة، قيل مرة إنها كيماوية ومرة أخرى انها صواريخ روسية متطورة لا يجوز، وفق الالتزام الروسي وقرار 1701 ، ان تصل الى حزب الله، وفي كلتا الحالتين ارادت اسرائيل وضع حزب الله على طاولة البحث الامني والسياسي الدولية ، ووضع روسيا في الزاوية بعد التزامها الا تُنقَل اسلحتها من سوريا الى حزب الله، فهل استطاعت دق الإسفين الذي طالما عملت هي وحلفاؤها العرب والراعي الامريكي على تثبيته؟  إضافة الى ذلك، حلقت الطائرات الاسرائيلية بكثافة يومية فوق الاراضي اللبنانية بهدف الامعان في ترويض حزب الله على تقبل هذه الاستفزازات دون رد، وتوجيه رسالة لمن يهمه الامر ان اسرائيل "تفعل ولا تتكلم فقط"، وقد أكد ذلك اهود براك في مؤتمر ميونخ الامني في الوقت الذي كانت الطائرات الاسرائيلية تقوم بغاراتها في سماء لبنان وسوريا، ولا نغفل، في هذا السياق ايضا، مسلسل التفجيرات الذي طال مستودعات الاسلحة التابعة لحزب الله، وتهديدات اسرائيلية مباشرة لحزب الله في حالة اعتراض الطائرات الاسرائيلية.

لم يكن هذا الهجوم العسكري والسياسي، منفصلا عن تحول في النظرة الامريكية لمستقبل الازمة السورية ورغبتها في الخروج من ورطتها بأقل ما يمكن من التكاليف وأفضل ما يمكن من النتائج، وقد تعلمنا من تجارب الماضي ان الاستعمار لا ينسحب في حالة ضعفه دون ان يحرق ما استطاع ودون ان يستنفذ قواه الفاعلة على الارض، خاصة اذا كانت الدماء والارواح والتكاليف كلها عربية، ومن هنا جاءت الغارة الاسرائيلية على سوريا بتنسيق كامل مع امريكا، بهدف استباق كل تسوية سياسية مرتقبة.
لم تكن هذه الاحداث منفصلة أيضا عن  مسار آخر يحصل "سرا" في هذه الايام في بريطانيا، يتمثل بمحادثات "استكشافية" اسرائيلية فلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات، بدفع اوروبي وأمريكي عربي، تفاديا لانتفاضة ثالثة، وتضيف المعلومات دلينا ان التسوية المرتقبة قد تحصل ضمن صفقة اقليمية شاملة، تعيد ترتيب ميزان القوى في الشرق الاوسط وخلق معادلات جديدة كل يريدها مريحة له. واكثر ما يخيف امريكا وحلفاؤها العرب ان يُهزموا في سوريا وقد بدأت بشائر الهزيمة واضحة فترتد قطعان الوهابيين التكفيريين وعصابات القاعدة، وهم مدججون بالمال والسلاح، ليحاسبوا مرسليهم في دول الخليج وتركيا. ومن هنا لا بد من توقع هجمات اضافية من قبل العصابات الوهابية الفاعلة في سوريا او من قبل اسرائيل في محاولة لاستباق الهزيمة او منعها او التخلص من قوى الخطر القادم.

لقد عودتنا امريكا واسرائيل انه عندما تعتزمان الدخول في مسار سياسي لا بد ان تسبقه بمسار أمني عسكري بهدف اضعاف الخصم وسوقه ذليلا الى المفاوضات، او تمهيدا لحملة عسكرية كبرى يكون فيها الخصم قد انهك فيسهل التغلب عليه كما حصل في العراق، وفي هذا السياق تأتي الغارة الجوية على سوريا والتي بتقديرنا ستتبعها غارات أخرى مشابهة، وكذلك الحملة السياسية، الاعلامية والعسكرية، على حزب الله.  من هنا ايضا، جاءت حملة الاعتقالات التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية لتشمل اعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني ايضا. ولهذا الهدف ايضا نشهد شن حملة اعلامية تحاصر الخصم وحلفائه ودفعا امريكيا لاوروبا بادراج حزب الله على قائمة الارهاب، مع ان النتيجة المعروفة أيضا، ان ضعف الطرف العربي وتفككه سياسيا او عسكريا يجعل اسرائيل تتمادى في عنجهيتها وتتحصن بمواقفها فلا تقدم للصفقة التي تريدها امريكا أي مساعدة لتعود المسارات مرة أخرى من حيث بدأت، والى أبد الآبدين، وهذا ما تريده اسرائيل، الم يؤكد ذلك بيبي نتانياهو بالامس حين قال ان لا احد يصنع سلاما مع الضعفاء والمفككين؟ فاسرائيل لا ترى بالاستقرار او بالسلام في الشرق الاوسط الا حالة مؤقتة بين حربين او حالتي اضطراب،  وهكذا تبني اسرائيل استراتيجتها وتكتيكها وهكذا ينبغي ان نفهمها.

لم يكن صدفة  تصريح عاموس يدلين، رئيس اللاستخبارات العسكرية السابق في اسرائيل، قبل يومين، من "ان أي نظام سيحكم سوريا في المستقبل، سواء برئاسة الأسد او غيره، بما في ذلك الاخوان المسلمين، سيكون افضل لاسرائيل مما كانت عليه، ذلك لأن سوريا ستكون ضعيفة، وأي نظام مستقبلي سيضطر الى معالجة قضاياه الداخلية لسنوات طويلة، (كما حصل في مصر أ.ص)، وهذا مكسب استراتيجي لاسرائيل"،  يريحها لسنوات طوال تستطيع خلالها بناء المزيد من المستوطنات وتغيير الوقائع على الارض وهي على قناعة، كما اثبتت التجربة، ان العرب سيقبلون بالامر الواقع في نهاية المطاف. لأن ضعف سوريا، في نظر اسرائيل، هو الشرط الاساس لاضعاف حزب الله، وضعف سوريا هو المقدمة الضرورية لاملاء الشروط الاسرائيلية الامريكية على ايران، هكذا على الاقل ما تتفق عليه اسرائيل وامريكا ويشكل قاعدة مشتركة للتحرك .

اليف صباغ . مدونة Haifa press البقيعة 6.2.13

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق