قيمة الإنسان... بحذائهِ ! بقلم: دينا سليم - بريزبن
2013-02-07 10:45:11

قبل أن نبدأ لنعرّف كلمة إنسان أولا، لخدمة النص فقط:
الإنسان هو كائن حيّ يسير على قدمين اثنين، هو من الثدييات الرئيسة، ينتمي الإنسان العاقل إلى جنس البشر، وهو العاقل الوحيد بين الكائنات.
يمتلك الإنسان، خلافا لسائر الحيوانات التي تدّب على الأرض، دماغ متطور جدا، قادر على التفكير والتمييز بين المحسوس والمجرد، يملك قدرة على تعلم اللغة واستخدامها، قادر على النطق والتفكير المنطقي، قادر على إعطاء حلول للمشاكل التي يواجهها. ومن ناحية خلقية يمتلك الإنسان جسما منتصبا متكاملا، ذا أطراف مفصلية علوية وسفلية يسهل تحريكها وتعمل بالتناسق التام مع الدماغ.
لنتوقف هنا:
للأسف الشديد، أصبح القالب الإنساني يدور حول محور واحد، ويحسب بالكمّ وليس بالكيف، نافيا ما اقتبستُ أعلاه من تعريفات هامة لهذا المخلوق الذي أصبح رهينة الحياة بجميع اشكالياتها، المهم في الإنسان هو ماذا يملك وكم  مقدار أرصدته في البنوك، كم بيتا، كم سيارة تقف أمام بيته؟ يعني بالمختصر المفيد، إن كان يملك مالا يصبح إنسانا، لا يملك شيئا، يعني إن كان فقيرا فهو لا شيء، وحسب المثل الشعبي ( تملك قرشا تسوى قرشا، لا تملك شيئا لا تسوى شيئا)، من ناحية أخرى، وبعد أن توطدت العلاقة بين التقنية الحديثة والإنسان، تلك الأدوات والأجهزة التي تقوم بتقييم الظّاهر التافه، والمزور الخاوي، والتي بدأت تسلب عقول السّاذجين.
نرى الرجل الخاوي يملك عدة بطاقات ائتمان  للتمويه، عدد من القمصان ذات الدمغة، عدد من ربطات العنق، وحذاء مستورد، حتى أن المظاهر بدأت تغلب وتخفي خلفها الحقيقة. أما المرأة يكفيها أن تعتمر قبعة غالية الثمن، حقيبة مزورة الدمغة، وأن تحتذي حذاء عاليا.
سألتني صديقة أن أتخلى عن وقتي الثمين وأوافق مرافقتها لمشاهدة فلم في السينما، حقيقة موضوع الفلم لم يرق لي ولا يطابق مزاجي، يتناول قصة خيالية عارية من الصحة وبعيدة جدا عن المنطق، بُعد السماء عن الأرض، ولكي لا أبدو متعجرفة في عينها قبلت الدعوة وذهبت معها.
 ولأني أعشق رياضة السّير، أتحفظ من اقتناء الأحذية غير المريحة، باهظة الثمن أيضا، عكسها هي التي أهتمت أن تحتذي حذاء عاليا كلفها غاليا رغم حالتها المادية المتواضعة، صديقتي تهتم بمظهرها الخارجي رغم الخواء المميت الذي يحتويها.
كلما التقينا أتذكر مثلا فلسطينيا ( جخوا ولا تموتوا حزانى)، تريد أن تجخ وأن تبدو بمظهر الرخاء والترف، رغم عسر أحوالها المادية، فليكن لها ما تريده، فهي حرة!
 ولأنها لا تتقن موهبة السّير مثلي، ولأن شوارع (بريزبن) مهيئة فقط للمشي الطويل، تُهنا في الطريق، مشينا سيرا على الأقدام، ابتعدنا كثيرا عن دار الخيالة، وكنت واثقة أننا أضعنا هدفنا لولا أنها وبسبب عنادها استمررنا في اتجاه آخر، ناهيك عن الشمس الحارقة التي تمكنت مني وأكلت من بهاء بشرتي، أزالت حمرة شفتيّ، تعرقتُ وذبتُ مثل قطعة ثلج داخل كأس نبيذ، سال الكحل من عينيّ فتلطخت جفوني بالأسود.
خاطبتها:
- المظاهر يا عزيزتي لا تليق بهذا الطقس الرطب، لماذا تهدرين مبالغ طائلة على الأحذية، هلا خلعت الحذاء من قدميك ومشيت حافية لكي نلحق بالفلم قبل أن يبدأ؟
- لا بأس، لا بأس، أعدكِ أن أتعجل الخطا لكي نلحق بالفلم! أجابت

تمنعت من التخلص منه، أي الحذاء، رفضت أن تبدو مثل (ساندريلا) الجميلة، التي بسبب حذائها بحث عنها الأمير مطولا، ياه، كم أنا رومانسية، لو كنت مكانها لفعلت.
أخذت تتبختر على مهلها غير مكترثة، تذكرتُ فجأة حذاء أبا قاسم الطنبوري، أكيد تذكرونه، مع أن وجه الاختلاف شديد جدا، إذ أن الحذاء المذكور كان قديما ومهترءا، لكنه كان مصدر ازعاج صاحبه، حذاء صاحبتي بدأ يشكل الازعاج لي، هو السبب في اهدار وقتي الثمين وطول صبري، هذه الإنسان تسير ببطء شديد كالسلحفاة، والشمس تحرق ذراعيّ العاريتين، هذه الصديقة تعتمر قبعة الأميرة (ديانا) لتأخذ عمرها، بينما لا أعتمر سوى عين السماء، لماذا أهدرت يوما كاملا لدى مصفف الشعر؟ يا لخسارة الدولارات! كيف لي التخلص منه؟... ما علاقة حذاء الطنبوري بحذاء صديقتي، أكيد ضربتني أشعة الشمس وبدأت أهذي!

وعندما وصلنا السينما بعد تيه طويل كان الفلم قد أوشك على الانتهاء، فرحت كثيرا أني لم أشاهده، ضحكت في سري قائلة: يا لسخرية القدر، ولأنني جئت مرغمة تهنا فتأخرنا وحذاء صديقتي كان السبب؟
كل الذي اهتمت به هو أن تبحث لها عن مرآة في صالة السينما لكي تتفقد حذاءها المعيق، إن كان قد كساه الغبار أم لا، رحتُ أتساءل: ترى هل الحذاء يكشف عن شخصية منتعله، تلك المولعة بالمظاهر الكذابة دعتنا نعمل حماما شمسيا في العراء، صاحبة الحذاء أرضت غرورها فخسرنا اليوم بسبب حذائها المغرور، وأنا في حذائي المنخفض المتواضع أطوي المسافات معها كالبلهاء، وهي في حذائها العالي غالي الثمن تسوقني حيث تريد، شكرت الله أن الإنسان يسير على قدمين اثنين فقط، وإلا لكلفتنا الأحذية الكثير، الكثير جدا...
مصيبة إن بدأنا نحسب قيمة الإنسان بقيمة حذائه، مصيبة كبيرة فعلا ! 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق