تعود بي الذاكرة سنوات  للوراء وعندما كانت المدرسة الثانوية شرقي المدينة وقبلتها المدرسة الوحيدة نصل اليها مع مطلع الفجر ومشيا على الاقدام , وعندما غابت خطوط السفريات وحافلاتها مررنا  في الاحياء القديمة فكان مشوارنا الصباحي رياضيا  نتنفس عبق المدينة ونسيمها  , وكان المعلمين غالبيتهم الساحقة من ابناء القرى يحطون اقدامهم في المحطات الاولى نحو مدارس ابتدائية ومدرسة واحدة ثانوية .
همست احدى صبايا المدينة امامي هذا الاسبوع همسة كان في ثناياها عتاب على المسؤولين والقيادة المحلية والصبية اكاديمية انهت في الجامعة المفتوحة اللقب الاول , ثم اكملت مشوارها لتحصل على رخصة التدريس وتنتظر منذ ستة اعوام قرارا بتعينها ,  لكن " الفرمان " من الباب العالي في وزارة المعارف لم يصدر قراره بعد وبقيت الصبية بلا تعيين تشحذ ساعة هنا وساعة هناك ومشروعا حدد وقوده ,  ولا ابالغ بأن جولاتي على مؤسسات المدينة التربوية شاهدت عشرات المعلمين والمعلمات من ابناء القرى المجاورة والبعيدة , وهمست في اذن المسؤولين من اين هؤلاء وصلوا , وفي محاولة لمعرفة الاسباب تجد بطاقة " الواسطة " هي الغالبة على كل البطاقات , و" التدريج " الذي يتحدثون عنه باطل بقرار المفتش المسؤول وفرمانه وتعيين ابناء المدينة في مؤسسات بلدهم واجب المسؤول الاول الالتفات اليه ,  وبقاء شباب المدينة وفتياتها ينتظرون توظيفهم  سنوات طويلة مأساة  في دفاتر ملاحظات المسؤولين .
داوود تلحمي واسماء الشتات
حل ابن شفاعمرو المفكر والكاتب داوود اميل تلحمي ضيفا عل اهله بعد ان منعته حواجز الاحتلال عبور وطنه الى وطنه الصغير وحل على صدر المدينة زهرة من شتات دام لا يعرف الفرح ما دام شعب في انتظار دولة تحمل علما ونشيدا وعاصمة ككل الشعوب ,  وحل ابن شفاعمرو ولم تفارق الابتسامة وجهه في ظلال اهل بادلوه حبا وشوقا وفي لقائي المؤثر معه لم ينسى ذكر  اسماء في الشتات بقيت بعضها ورحل بعضهما كنقولا الدر وسمير جبور جبور وشهيدة واسمها نبيلة سلباق اصرت يد الغادرين النيل من حريتها وصوتها الهادر في بيروت . حل المفكر داؤود تلحمي وعاد بذكريات الصبا لمدينة حفظها عن ظهر قلب , وفي كل المشاهد كان الضيف ابن المدينة واقعي بحديثه واقامة الدولة الى جانب الدولة انسانية لم تفارق المفكرة في اسطر بحثه  . والمكان يتسع لشعبين وكما قال محمود درويش " ما اكبر الفكرة وما اصغر الدولة " , وداوود تلحمي سفير بلا تعيين من ابناء مدينته يستطيع الدخول من ابوبها واقواسها لأنها باقية في قلبه   .