في الذكرى الثانية لمقتل الشاب رياض كيال من قرية جديدة ...بقلم عبور درويش
2012-12-05 16:37:16

في الذكرى الثانية لمقتل الشاب رياض كيال من قرية جديدة ...بقلم  عبور درويش

رحمة الله علينا وعليك يا رياض
 
لنا أن نقبل تقاسيم القدر ولنا أن نرفضها ...ولكن ما بإمكاننا تغيير مساره أو حتى التزحزح من طريقه ولا سحب من نحبهم من تحت أنيابه حين تومئ أصابع القدر نحوهم آمرة برفعهم إلى العلياء ...
نختنق بعجزنا وقلة حيلتنا ...تُبح حناجرنا الرافضة تسليمهم لديار غير هذه الديار رغم أننا نعلم بفعل ما رسخ في دواخلنا من الأيمان أن وجودنا مؤقت ورحيلنا مسجل في تذكرة العمر ...
ولكن حين جاء دورك يا رياض ...ونفذت عليك أحكام القضاء والقدر
صُعقنا ...ذهلنا..تقوقعنا داخل صمت مريب ...صمت مؤجج بالغضب ،
وحين زرتها مواسية ... صعقني صمتها الصارخ ...صمت عصر الروح والخافق ...
وجدتها جالسة برقي وسكينة تحدثك من فوق الشاهدة وتزيل عنك حبيسات مقلتيها خشية أن تبرد تحت ذاك الغطاء النقي ...
كانت تفرك حبات الثرى وكأنها تلمعها حبة حبه ...وكأنها تمسح بقعة عن وجنة طفلها المسترسل في نومه بين أحضانها ...
لم أقو على مواساتها ..لم تسعفني أكاليل الأبجدية على النطق بجملة توازي ذاك الحزن الساكن طرف عينها والمستوطن شغاف قلبها والقابع على جبين روحها  ...
من الممكن أن تكون هذه الأم أقل صمتا اليوم...بعد عامين من اعتناق الحزن والحسرة والقهر واللوعة...
 ولكنها حتما أكثر اشتياقا ...
أكثر اشتياقا للمسة وجنتيك ...
أكثر اشتياقا  لهمساتك ولمساتك ..
أكثر اشتياقا لرائحة عناقك... ودبيب خطاك وصدى صوتك في الأرجاء ...
أيها الابن البكر المنبسط على ضفاف روحها ...أيها السابح في رحم جوفها
طوبى لك النوم تحت شباكها  محروسا بلآلئ عينها مستدفئا بنسمات حنينها
مكتنفا بحميم أدعيتها وصلواتها ...
نم يا رياض...نم يا درة قلبها... نم وتدثر بالرضا الهادر من صمت العفاف
نم يا من حسبناك آخر من رحلناه بصمتنا...لم تكن الأول ...ولا الأخير
 ولا كان نحيبها ختام أصوات الثكلى في بلدتنا إذ أن بوابة الترحيل بقيت مفتوحة بعد خروجك من ديارنا ،ونحن على حالنا ...ما زلنا غارقين في سباتنا الذي يقطعه صوت المنادي فنهرول لتقديم العزاء واحتساء القهوة السادة....ومن ثم نعود  لممارسة طقوس الصمت مُسَلمين بكل ما نرتكبه بحقنا وحق الآخرين أنه من تقاسيم القدر !!!!
سلبوا منك ربيع العمر
قطفوا من أيامك
عناقيد الزهر
ذنبك أنك...
رفضت الظلم
ذنبك أنك...
أبيتَ الذل
وفي تلك الليلة الشؤم
تكاثفت سحابات الغم
طلبت الأم برجاء
ابق يا ولـــدي
لا تغادر عتبة الدار
ابق حتى طلوع النهار
أدرتَ ظهركَ
 قاصدا باب رزقكَ
 تاركاً أمكَ
الحنون
تناجي رب الكون
وبقي الأب
يداوي الآلام
وفي قلبه غصة
توازي كل  السقام
...
وكانت لكمة ...
وكانت صرخة...
فجاءت طلقة...

وعدتَ ...
يا رياض ....
عدتَ قبل آذان الفجر
هذه المرة
لبّيت  النداء
 لن تغادر
 لا في الصباح
 ولا في المساء
عدتَ لتبقى بالجوار
تحرس الأهل...
 والزهر...
 والأسوار...
عاد الابن البار
يرتدي عباءة الأحرار
وقال....
اطمئني يا أماه
لن أغادر بعد الآن
ولن أفارق المكان
لن أغيب عن الحارة
ولن أحمّلك مشقة الزيارة
سأبقى قرب النافذة
أصغي لنبراتك الدافئة
سامحيني....
 يا أمي
عانقيني...
 وامسحي الدموع
لأن ابنك...
رفض الخضوع
رفض الركوع
رفض أن يبدّل
الشهامة بالخشوع
دعيني ألتحف همساتك
 وأتوضأ بلمساتك
اسقني قهوة صباحك
وامنحيني بركة دعواتك
صبرا يا أبتاه
إنها سنة الحياة
قل الحمد لله
ولا اعتراض على مشيئة الله
!!!!!!
رحمة الله علينا وعليك يا رياض  ولشباب قريتنا من بعدك طول البقاء.
عبور درويش

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق