النزعة الجنسية الطبيعية في حياة كل من المؤمن والعارف بقلم كميل شحادة
2012-12-02 01:24:39

النزعة الجنسية الطبيعية في حياة كل من المؤمن والعارف

ظل الموضوع الجنسي – خصوصا في المجتمعات الشرقية وفي الاخص العربية – لزمن طويل ، في العتمة وفي خانة الحرام والممنوع من التداول المفتوح للنقاش والجهر والافصاح عموما ، سواء في البيوت وفي المدارس وفي المنتديات والدواوين الاجتماعية الشعبية . وربما قضية الشرف المرتبطة بالجنس متجذرة  في الوعي واللاوعي العربي اكثر من شعوب أخرى .. لا ادري .. ولعل ذلك نابع من عدة عوامل كطبيعة الثقافة والتربية  والبيئة . وبينما كان البوح  بالموضوع الجنسي، ولا يزال في قطاعات واسعة من المجتمع ، يُعتبر عيبًا وقلة أدب ، اصبح "إشكالا" في الحياة الفردية والاجتماعية ، وأصبح علما وجب درسه وعدم تجاهله .
ولا اتحدث عن الجنس كأرخص بضاعة وأدنى قيمة في اطاره الاباحي التجاري والمجاني على السواء، المنتشر اليوم كوباء الحكة والجرب والصعر  .
في كل الاحوال يهمني في الموضوع هنا علاقته في حياة المؤمن الديني وفي حياة العارف العرفاني الفيدنتي التجاوزي  "الترنسندنتالي" باعتبار الجنس كان ولا زال العائق والتحدي النفسي والمادي الاشد حساسية في حياة مؤمني الاديان وطلاب العرفان بعد الجهل الايغوئستي " الطبيعي" والخداع الذاتي "المايوي " .. وقد ادرك هذا الامر بعض حكماء اليوغا قديما وما لطاقة الجنس من قوة توجيه وتأثير  ،فأدخلوا الموضوع  في الاصل كجزء من تقنية  في احدى طرق التحرر الروحي هي "التنترا يوغا " كما جاء في كتاب " كماسوترا" وليس كما فُهم واستُغِل فيما بعد .. اما التمييز بين (مؤمن) و (عارف) نجد مبرره عند عرض الإشكال بمثال من الواقع ليس فقط من الدليل العرفاني الخالص الذي يخفى على غير العارف . من الجدير قوله ان كل من المؤمن والعارف يسعىيا  في النهاية لنفس الغاية ، لكن الطريق يختلف .. يطلب المؤمن التقرب الى الله ، او النجاة من عقابه والفوز بالجنة ،والطريق الذي يسير فيه لذلكم في افضل الاحوال ، يعتمد استخدام القوة والقمع الذاتي للنزعة الجنسية . وتقنياته  صلوات وادعية وابتهالات وصوم وتقشف ، وربما اعتزال وتوحدن في المستوى وفي المعنى المكاني الفيزيقي .  بينما يسعى العارف للتثبت والصمود في حالة الكشف عن حقيقة الذات ،التي هي حالة كشف عن الحقيقة المطلقة والشاملة لمفهوم وحدة الوجود . حيث في هذا الكشف تسقط عن وعي العارف مختلف الاشكاليات والعقد والتكاليف والعوائق  ، بما في ذلك الاشكالية الجنسية التي نحن في صددها هنا.
طبعا انا اتحدث هنا عن نموذجين في مواجهة النزعة الجنسية ،باعتبار الاخيرة عائق يحول بين كل من المؤمن والعارف ، وبين تحقيق الغاية الروحية .
وفي الحقيقة ان النزعة الجنسية تتجلى في صورتها الاشكالية اشد واقسى لدى المؤمن وفي حياته ، وذلك نابع من الجهل ازاء الهوية الجوهرية للذات ،حيث تنعكس في طريقته للتطهر والتحرر بواسطة القوة والقمع للنزعة الجنسية ، بدل فهمها ومحاولة الكشف عن طبيعتها الموضوعية وعن علاقتها بذاته . وهذا الموقف  يعود لتماهي المؤمن كجوهر روحي تجاوزي منفصل بطبيعته عن الجسد ، مع الجسد ومع صورته وشخصه . وذلك بصورة تلقائية غير واعية .. فعندما افهم حقيقتي الذاتية أدركها واتعامل معها كجسد ، فانني اكون في حالة جهل وظلام . وعندما اريد – وانا في هذه الحالة – الحصول على حالة الطهارة التي تجعلني  (كمؤمن) اشعر بالرضا عن نفسي ، وبالتالي برضى الله ، فلا بد ان اتصادم مع جسدي ،لأنني اريد قمع نزعته الطبيعية ، فأنا هنا ضد جسدي ،اي عمليا وفي غياب الكشف عن حقيقتي الذاتية غير الجسدية ، يعني ان اعمل ضد جسدي هو ان اعمل ضد ذاتي . وفي هذه المواجهة لا يمكن ان احصل على الهدوء والسكون الداخلي الذي في جوِّه فقط يمكن ان يتحقق الكشف عن الذات وعن الفرق بين الذات الجوهري فينا وبين الذات العرضي ( النفسي الجسدي)  ..
لا بد ان يكون البعض سمع او قرأ عن  المؤمن الراهب" يوحنا العمودي " الذي كان يجلد نفسه بسبب حلم  (غير لائق ) رآه في المنام .. انه المثال الصارخ لتماهي الهوية الروحية الجوهرية مع الجسد ، في غياب الكشف والتمييز الاشراقي الداخلي عن حقيقة الذات . هذا التماهي الذي يُنتِج لدى المؤمن الطامح سلوكا دينيا عبثيا وليس طهارة وتحرر .
عمليا من داخل تماهي الوعي  مع الجسد ، تنبع وتتكون سائر التماهيات الذهنية والحسية الخاطئة  ،مع الاسم والصفة والمكان والجهة والجماعة والمفهوم والقطاع ..الخ هذا التماهي الجاهل مع الجسد ، يشكل خلفية خفية ، تقف وراء كل انواع الانقسام والتفتت والصراع . وحيث من هذه الخلفية يتم نشوء المذاهب والمعتقدات والاحزاب والتحزبات ، وهي  حالة منسحبة على الجميع ، جميع المؤمنين وغير المؤمنين ، على جميع البشر .
والعارف اي عارف غير خالص من الازدواج بين الهويتين تماما ، ونضال العارف يتمثل في سعيه للتجرد والتوحد بالهوية الجوهرية .. ان النزعة الجنسية من حيث الطبيعة الموضوعية هي ذاتها لدى العارف وغير العارف ،لكن الفرق هو في طبيعة العلاقة والوعي والتعامل والمواجهة ، فالوعي والتصرف من خلال الغروق الغفل في عتمة الحواس هو غيره من خارج هذا الغروق ، انه كالفرق بين تفاعل النظر من داخل غيمة ملونة ، وبين النظر الى الغيمة كصورة في مرآة .
هو الفرق تقريبيا بين علاقة كل من المؤمن والعارف بالذات والعالم ،من داخل ومن خارج الانطباعات الحسية والفكرية الكثيفة ، والفرق  في الاعتبار والتأثر بالموضوع ، قريب من الفرق بين محاكمة الاشياء والتصرفات والاحداث من داخل حلم في المنام ، ومن داخل يقظة .. يقظة عليا تجاوزية ، ينشدها طالب الحقيقة على ارض تدور بنائميها  الحالمين في فضاء غير محدود .
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق