عاقل وجاهل بقلم فايز عزام
2012-11-15 10:03:41

فايز عزام
بسم الله الرحمن الرحيم
عاقل وجاهل
اعتاد السيد كمال منصور ان يبدى خطبه بعبارة: الرجال أربعة:
رجل يعرف ويعرف أنه يعرف، فذاك عالم فخذوا عنه،
ورجل يعرف وهو لا يعرف أنه يعرف، فذاك ناسٍ فذكروه،
رجل لا يعرف وهو يعرف أنه لا يعرف، فذاك طالب فعلّموه،
ورجل لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف، فذاك أحمق فارفضوه

وأنا أقول الدروز (نساء ورجالا) أربعة. وكل ما في هذا الحديث يخص الرجال والنساء على السواء.
عاقل عاقل، فذاك ديّن حقيقيّ فخذوا عنه وأطيعوه. وهم كثر.
وعاقل جاهل، فهذا متزيّ بالدين، بلا علم ولا مسلك، فنبهوه وحذروه ووعّوه. وهم قلة.
وجاهل عاقل، فذاك قابل للخير فقربوه. وهم الغالبية.
وجاهل جاهل، فاهدوه وعلّموه، عله يهتدي. وهم أقلية.
نقول هذا الكلام لنشرح بعض المصطلحات التوحيدية، بالرجوع الى أصولها ومصادرها ونشأتها وتطورها واستعمالاتها ومعانيها ودلالتها اللغوية والرمزية والاصطلاحية، لعلنا نفهم ما ترمي إليه بالحقيقة، ولتكون لغة مشتركة بيننا بعد توضيحها. ولنفحص هل ما زالت تفي بمتطلبات العصر؟ وهل يمكن إيجاد بدائل تؤدي نفس المعنى وتلائم المفاهيم الحديثة؟
فلنبدأ بالمعنى اللغوي للعاقل والجاهل:
كان " العاقل" مَنْ يربط دابته حين ينزل عنها حتى لا تضلَّ، ولهذا سُمي عاقلاً ، أي يُحسن الحفاظَ على دابته.
ثم تطور معنى الكلمة مجازاً فصار: المنصف ، الجامع لرأيه، حازم النفس، المتفهم للأمور، اللَبِيب، الكَيِّس، الفَطِن، الحَصِيف، الذَكِيّ، الَفهِيم.
صار عكسها: أَحْمَقُ، غَبِيٌّ، جاهِلٌ، أَخْرَقُ.
وأصبح معناها أيضا: آدَمِيّ، بَشَرِيّ.
وضدها: بَهِيميّ، حَيوانيّ.
ويقولون ان للعاقل صفات يعرف بها:
يعفو عمن ظلمه، ويتواضع لمن هو مثله، ويسابق بالبر من فوقه، وإذا رأى باب فضيلة انتهزها، ولا يفارقه الخوف، ولا يصحبه العنف، يتدبر ثم يتكلم، فان تكلم غنم، وان سكت سلم.
 وللجاهل صفات يعرف بها:
يظلم من خالطه، ويتكلم بغير تدبر فيندم، فان تكلم أثم، وان سكت سها، وان عرضت له فتنة أردته، وان رأى باب فضيلة أعرض عنها.
يتبين من كل ذلك ان الرجل قد يكون عاقلا وان لم يكن متدينا.
وقد يتصف ببعض صفات الجهل وان كان متدينا.
أما المعنى الاصطلاحي للعاقل والجاهل الشائع عند الدروز فهو:
العاقل: من "يعقل" يعرف أسس مذهب التوحيد. ويطلق عليهم اسم روحاني.
الجاهل: من "يجهل" لا يعرف أسس مذهب التوحيد. ويطلق عليهم اسم زمني.
فالعقال وهم رجال الدّين:
1. يؤمنون بالله الواحد الأحد.
2.  يؤمنون بأنبياء ورسل جميع الأديان.
3. يؤمنون بالكتب الدينيّة المقدسة
4. يؤمنون باليوم الآخر.
5. يؤدون الفرائض الدينيّة.
6. يرتدون الزي الديني الخاص.
7. يسلكون مسالك الحلال في حياتهم.

    الجهال وهم غير متدينين:
1. لا يذهبون الى الخلوة للصلاة.
2. لا يلتزمون بارتداء الزي الديني.
3. لا يلتزمون بتأدية الفرائض الدينية.

فإذا قبلنا هذا التقسيم للعاقل والجاهل، نستنتج من هذا ان الجهال
1. يؤمنون بالله الواحد الأحد.
2.  يؤمنون بأنبياء ورسل جميع الأديان.
3. يؤمنون بالكتب الدينيّة المقدسة
4. يؤمنون باليوم الآخر.
5. يسلكون مسالك الحلال في حياتهم.

فهل يصح ان نطلق على من يؤمن بكل هذا لقب جاهل.؟

والعاقل أيضا هو الورع الديان الصالح الدين الفالح الراجح العالم العامل الكامل السادق التقي الفاضل المهذب اللبيب ، المستشعر الخلاق.
بين العقال من لا يحمل كل هذه الصفات.
وبين الجهال من يتصف ببعضها.
والعاقل من إذا سمع بعض الكلام فهمه كله.
وهل أولئك الجهال العلماء لا يفهمون؟ 
لحديثي هذا أهداف أربعة:
1- رفع مكانة رجال الدين العقال الحقيقيين الى اسمي المراتب. وإنهم جديرون بلقب العقال بما يحملون من خصال حميدة.
2- ان مجتمعنا حافل "بجهال عقال" يحملون خصالا وفضائل دينية ويتمسكون بآداب الدين: من نبذ للحرام وسعي لعمل الخير ومساعدة ومشاركة وخدمة للناس والتمسك بمكارم الأخلاق.
3- والإيحاء الى "الجاهل العاقل" أن ليس بينه وبين الدين إلا خطوة، وانه قريب أكثر مما يتصور، وما عليه إلا ان يخطو هذه الخطوة، ليغني نفسه ويغني المجتمع.
4- ثم الاستغناء عن وصف هذا الجمهور وهو غالبية الطائفة بلقب جاهل واستبداله بلقب آخر.
فكثير من رجال هذه الطائفة لا يستسيغون، ولا المنطق يقبل ان يطلق اسم جاهل على ذلك العالم والباحث والأستاذ والطبيب والمحامي والعامل الاجتماعي والقاضي والأديب والصحفي وصاحب المنصب الرسمي والاجتماعي  ورجل المجتمع الذي يفعل الخير مع الناس ويساعدهم ويحل مشاكلهم ومن هو ذو خلق كريم يسعى للحلال ولا يأكل الحرام.
اقترح ان نستعيض عن اسم جاهل باسم آخر أكثر عصرية وألطف لهجة واصدق تعبيرا وأجمل وأفضل لهذه الفئة الكريمة من كلمة جاهل. اسم يليق بهم ويعترف بمنزلتهم وبخدماتهم للمجتمع ويقربهم للدين ورجال الدين.
فان كان لقب جاهل صحيحا مقبولا في الماضي، ويرمز الى قيم دينية عالية، فلم يعد يصح استعماله اليوم ويجب استنباط لقب جديد يحفظ قيمة العقال دينيا، ومكانتهم وميزتهم الدينية من جهة، ولا يجحف في حق الجمهور الآخر العاقل أدبيا وعلميا وثقافيا ومسلكيا، بل يعطيهم ما يستحقون من ميزة اجتماعية وأدبية.
ان ادعى البعض ان هؤلاء الجهال لا إطلاع لهم على علوم الدين فهذا مردود. لان كثيرا منهم مطلع على أمور الدين وعلى مصادر الدين، بعد انتشار الكتب والتصوير والانترنت والنقّال.
وان ادعى آخرون إنهم لا يفهمون. فهذا أيضا غير صحيح. فمن بين هؤلاء الجهال من ألّف الكتب وحاضر عن الدين بعمق وفهم، لا يستطيعه كثير من رجال الدين. ونكتفي بذكر كمال جنبلاط وسامي مكارم. وغيرهم كثير.
صحيح أنهم غير ملتزمين بالزي الديني وببعض الفرائض. ولكن هذا ليس جهلا، بل ربما يحسن ان يطلق عليه اسما آخر.
أما ان اقترح البعض اسم روحاني على رجل الدين وجسماني أو زمني على غيره. فهذا غير مطابق للحقيقة. فبعض رجال الدين جسمانيون زمنيون أكثر من بعض الجسمانيين بحبهم الدنيا وما فيها من جاه ومال وكسب وطمع. ولنفس السبب لا يصح ان نقول رجال دين ودنيا. فبين رجال الدين من هم رؤساء رجال الدنيا.
من الواضح ان الاتفاق على اسم جديد آخر يتطلب اتفاقا وإجماعا وقرارا من المحافل الدينية والمجلس الديني.
عند المسيحيين كهنة وشعب والحاديون
وعند المسلمين شيخ وحاج وشعب
وعند اليهود متدينون وتقليديون وعلمانيون
وعندنا يمكن ان يقال:
متدين وغير متدين
ملتزم وغير ملتزم
سالك وغير سالك
مستلم وغير مستلم
متصل وغير متصل
ومن لهم اقتراح فليقدمه. فيكون مشكورا وذنبه مغفورا.

 

 

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق