رب أخ لم تلده أمك بقلم د. نجيب صعب – أبو سنان
2012-10-10 22:10:58

يدرك الكثيرون من بني البشر أن الاخ الحقيقي هو الذي ولد من نفس الاب والام، واطار الاخاء والاخّوة يشمل كل من خلقوا هكذا، هذا الادراك صحيح ولا غبار عليه.
وفي مثل هذا الظرف لا يمكن للأخوّة الحقيقية ان تقف عند هذا الحد، ولا يمكن ان يقطعها او يزيلها اي تصرّف، ايجابياً كان ام سلبياً، لان الاخّوة بمعناها الانساني وبمعناها الحقيقي بشموليتها العاطفية وبجذورهاالمتأصلة والعميقة في الروح وفي الدم ةفي النفس لا يمكن أن يزعزعها امر مهما كان هذا الامر مؤثراً او مؤلماً.
فان الاخوّة والعلاقة التي تربط الاخوة ببعض ان كانت صحيحة ودقيقة تصمد دون ريب امام كل العواصف العاتية التي تهدف او تتطلع الى دثرها او تقويضها .
نعم الاخوّة والعلاقة بين الاخوة من المفروض ان تتخطى كل المشاكل والشوائب والحواجز التي تولدها الحياة اليومية في الاخذ والعطاء في الواجب الاخوي الانساني في التعامل في الحياة المشتركة كأفراد عائلة واحدة ولدوا في بيت واحد، تربوا ونموا على نهج واحد، غرست في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم صفات انسانية خلاّقة، سمات توحي بالحفاظ على الاخوان، بالحفاظ على الترابط الاخوي، هذه الشمائل والصفات الانسانية اذا تأصلت جيداً في نفوس الاخوة، يبقى هؤلاء الاخوة على مدى الدهور والاعوام اخوة اخوة بكل معنى الكلمة، اخوة في السرّاء والضرّاء، اخوة في المصير، اخوة في الحياة اليومية، احترام متبادل كرامة متناهية ، دعم معنوي ومادي وتخطيط مشترك ...   كل هذا وغيره من هذا القبيل يمكن ان يحافظ على الوحدة ، الاخوّة التي حتماً اذا استمرت تضمن استمراريتها مدى العصور.
الا ان المرء الواحد ومثيله الاخوة يتعرضون خلال حياتهم اليومية الى هزات ارضية عالية جداً على سلم ريختر ذلك في نوعية العلاقات الانفة الذكر واثرها في الحياة الاجتماعية وتفاعلها يوماً بعد يوم ، هنا وهناك واجب إجتماعي او عمل مشترك او تقاسم ميراث معين او ثروة ما، فان لم يكن هؤلاء الاخوة قد تلبوا وتربوا ونشأوا على روح التسامح الصحيح والاكيد، على نبذ الطمع وعدم اعطاء النفس كل مبتغاها فيمكن لهؤلاء الاخوة وبسرعة فائقة ان يجدوا انفسهم في مهب الريح ، فلا علاقة ولا تجاوب ولا تعاون ولا اخوّة وربما يؤدي الامر بهم ان لم يدركوا معنى هذه الاخوة الى الجفاء والبعد الى الخلاف الذي في نظري مهما كبر الميراث ومهما عظمت المشاكل لا مكان له بين افراد العائلة الواحدة وبالذات بين الاخوة.
وهنا ينبغي على افراد هذه العائلة والاسرة او تلك مراجعة النفس بدقة وبموضوعية، ذلك من خلال طرح العديد من الاسئلة الذاتية ومحاولة الاجابة عليها بصدق مع النفس، وبصدق مع الغير، وبنهج صحيح وحقيقي غير مشبوه، عند ادراك ذلك والتيقن من ان كل الامور مهما تنوعت ومهما تداخلت في النفوس يجب ان تتبدد اما الارادة الصحيحة امام الاخوّة الحقّة كي تحافظ على الاطار الاخوي وتحميه من الضياع امام مغريات الحياة، من مال وارزاق وكذلك امام تفاهات يقضي بها الناس اوقاتهم سدى، كل ذلك من اجل تحصين هذا الاطار وحمايته من الضياع وبكل ثمن، لان ضياعه لا يمكن ان يعوّض مطلقاً ولا باي شكل من الاشكال.
ولا يغيب عن ناظر الكثيرين في حياتنا اليومية ان كثيرين من الناس يعيشون في نشوة حياتية مليئة بالحيوية، بالاخوّة، بالوفاء، بالامانة ، بالصدق وباستقامة التصرفات وكذلك بعمل الخير، مثل هؤلاء، هم حقاً اخوة بالمعنى الصحيح، اخوة في الاخذ والعطاء، في التعامل الانساني والاجتماعي في ظل الاحترام المتبادل وحرص الواحد على الآخر من باب الانسانية والاخوّة الحقيقية.
واذا اردنا ان نتعمق في المعرفة في هذا المجال لوجدنا في بعض الاحيان ان هؤلاء الاخوة هم اصدقاء مخلصون، اوفياء، ولم يولدوا من اب او ام، وقد يلاحظ المرء تصرفات ايجابية، انسانية خلاّقة في التعامل والعلاقة بينهم، في الاحترام والكرامة، فهم لا يعيروا اهتماماً للاقاويل ولا للقال والقيل الذي يهدم في كثير من الاحيان احلى واروع انواع وانماط الحياة دون فائدة، وكذلك يتعسّر على المرء ايضاً انه يصدّق بان هؤلاء اخوة لم يولدوا من ذاك الاب او تلك الام، بل جمعتهم النّواهي الانسانية والاخلاقية وتزاملوا ونشأوا وترعرعوا معاً وتأصلت العلاقات بينهم ، فلا قيمة للمال بينهم ولا قيمة للرواسب الاجتماعية والسياسية عندهم ، وتراهم اكبر من هذا كله بحكمة وبتفكير عقلاني ونهج انساني ، يعيشون حياتهم دون منازع.
وخلاصة القول ان الامر يقتضي عدم الاكتراث بالرواسب او الشوائب في العلاقات بين الاخوة، عدم تمكين المصطادين بالمياه العكرة ان يعكرّوا صفو الجو بين الاخوة، والامر يقتضي ايضاً ان يحاسب المرء نفسه قبل اتخاذ اية خطوة، ربما تكون ابعادها خطيرة، ان يحاسب المرء نفسه بصدق، ان يدرك ان الاخوّة الحقيقية اكبر واسمى واثمن من كل مغريات هذا الكون، لان حبل المودّة الذي رص في نفوس الاخوة منذ الولادة هو اقوى واثمن واصلب من كل مؤثر مهما كان نوعه ومهما كبر حجمه ووقعه.
فبالتفاؤل ، وبالتسامح ، بالادراك وبالمحبة وتفهم الامور ووضعها في حجمها الصحيح، وكذلك بروح الاخلاص والامانة والاخوّة الصادقة يمكن للمرء او للمجموعة من الاخوة والاصدقاء نبذ كل ما هو مفرّق وتنمية وتعزيز كل ما هو مقرّب وموحّد ، لان صلاح الفرد والاخوة والاسرة والمجتمع بدون ادنى شك يكمن في اتباع مثل هذه المسالك وبالتالي ينعكس كل هذا  ايجابياً على المجتمع باسره.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق