هيانا بندردش – ورانا إيه؟ بقلم دينا سليم - بريزبن
2012-09-24 08:49:59

أذكر عندما كنت أذهب إلى عملي، الذي يبدأ الساعة الثامنة صباحا، كنت أرى نساء الحارة يجتمعن على فنجان القهوة الصباحية، حال كل يوم، وبعد انتهاء الدوام، ولدى عودتي إلى البيت بعد يوم طويل مرهق، أجدهن على ذات الحال، مقيمات في ساحة دار إحداهن يقرأن الفنجان أو يدردشن في أمور كثيرة.
الصراحة تقال، أني اشتقت لرؤية هذه التجمعات النسائية، فقررت أن أدعو إلى بيتي الصديقات العربيات المقيمات هنا، شريطة أن يصحبن بناتهن معهن، بما أنها جلسة نسائية، فلبين الدعوة فرحات مغتطبات، وكنت قد خططتُ لهن خطة خلالها أكتشف كم نحن مرتبطات بالشرق، ولكي أعرف إن كن نشتاق لبلادنا فعلا، وإن كنا نتذكر أشياء جميلة تركتها اللغة العربية داخلنا.
وكما تدرون جميعا، أن أبناءنا الذين أتوا معنا، ما يزالون يتداولون لغتنا العربية بجانب الانجليزية، أما الذين ولدوا هنا فصعب جدا عليهم التعامل معنا نحن الجيل الأول الذي سيطر علينا هدف الهجرة دون أن نعي ما الذي سوف نخسره بالمقابل، لكن الكثير منا استطاع التوفيق بين المجتمعين واللغتين وهذا أمر عظيم جدا.
حضرت الفتيات وأحضرن معهن أجهزة(الآي فون) واللاتي انهمكن من خلاله دخول الفيس بوك الذي اجتاح حياتنا وخصوصياتنا كليا، لم يعجبني الأمر وفكرت بحيلة ما تجذبهن نحوي، أحضرت بطاقات صغيرة وكتبت داخل كل بطاقة أداة استفهام ووزعتها عليهن، ( ماذا، كيف، لماذا، ما هو، ما هي، أين، الخ).
مارست عليهن سلطة المدرسّة التي ستلقهن درسا في علم الاجتماع، وطلبت منهن أن يسألن سؤالا يبدأ بأداة الاستفهام، تحمسن وتعددت الأسئلة وانتهت الأدوات، كانت الأسئلة ذات طابع لمجتمع أسترالي بحت ( أين سنسهر ليلة الجمعة)، ( كيف سنقضي عطلة الأسبوع)، (ما هو البرنامج الأكثر جمالا في التلفزيون)؟ عكس ما طرحته أمهاتهن من أسئلة، كمثال: " لو جئت قبل عشر سنوات لكنت فعلتُ كذا وكذا.." أو " كيف يمكننا أن نحيي بعضا من تراثنا..." " لماذا لم نعد نشعر بالترابط العائلي..."؟ وهلم جرا.
بدأت أفكر بشيء آخر أستمر من خلاله بجذبهن نحوي وفعلت، فطلبت منهن أن يغنين أغنية تبدأ بالحروف الأبجدية، أعجبن كثيرا باللعبة وبحثن عن أغنية تبدأ بحرف الألف، ( أسمر يا اسمراني مين قساك علي، لو ترضى بهواني برضو انت اللي ليَ، بتزيد عذابي ليه ويهون شبابي ليه يا أسمر...) لعبد الحليم حافظ، وطلبت من أخرى أن تبدأ بمطلع أغنية جديدة من حيث توقفت الأولى، (رسالة من تحت الماء، ان كنت حبيبي ساعدني كي أرحل عنك،....ما أبحرت) ، وأخرى تبدأ ( توبة، توبة إن كنت بحبك تاني توبة...)، وأخرى تبدأ بعد أن حولنا التاء إلى حرف (الهاء) وحصلنا على هذه الأغنية لعبد الحليم أيضا ( هي، دي، هي فرحة الدنيا...وأنت يا قلبي ياللي حبتها)، ومجددا حرف (الألف) ( أهواك واتمنى لو أنساك...)الخ.
توقفنا جميعنا وتساءلنا، لماذا انحسرت معظم الأغاني التي ما زالت تستحوذ على ذاكرتنا لعبد الحليم، وجدنا أن أغانيه استحوذت على جميع الحروف الأبجدية، (بأمر الحب) (الباء). ( جانا الهوى)، (الجيم).( قولوا لو) (القاف) الخ. يا له من اكتشاف عظيم حقا.
كانت وفاة العندليب الأسمر، فاجعة كبيرة لنا، تركنا ونحن ما نزال في جيل يريد منه المزيد، غادرنا إلى عالمه يوم 30 آذار من سنة 1977 وهو في الثامنة والأربعين من عمره، لم يعمّر هذا المطرب الفنان، وترك لنا أغان لا تنسى.
فوجئت بإحدى الصديقات وهي تذرف الدموع، صمتنا جميعا وكم كان مريبا الحال عندما أدهشتني كلماتها عندما بدأنا نتساءل عما جرى، قالت وهي تجفف دموعها:
- أذكر جيدا يوم وفاة حليم، لهذا اليوم ذكرى أليمة في حياتي، فقد كانت أول قبلة بيني وبين خطيبي، يومها توقفت عن تقبيله فجأة عندما سمعت المذيع ينعاه من اذاعة القاهرة، المشكلة ليست هنا، بل هناك، حيث فقدت خطيبي فيما بعد في حرب إيران، كنا قد اتفقنا على الزواج بعد عودته، لكنه لم يعد، لقد فقدته والى الأبد!

وتحولت الجلسة إلى ذكريات أليمة، ذكرى حروب مريرة مرت علينا جميعا دون مبرر، دون أسباب مقنعة، حروب بلهاء حصدت الغالي والرخيص، أدركنا الوقت ونحن نستذكر اللحظات الأليمة التي مرت علينا، حتى فوجئنا بإحدى الفتيات وهي تقف أمامنا، وتقول:
- مش أفضل لنا نبقى مع (الآيفونات على الفيسبوك)، على الأقل نستطيع أن نستمتع بأغانٍ وألحان من نوع آخر، ألحان لا ترمينا في بحر الرومانسية والحزن مثلكم أنتم بنات زمان، ما به، (امنيم، بريتني سبيرز، وليلدي جاجا، و....).
وتساءلت عندما غادرن المكان على ما أبدته فتياتنا الصغيرات من ردود فعل قاسية نحونا بعض الشيء؟ لكن الحق يقال أنهن محقات، هذا الجيل الجديد، الذي تدرب على أن تكون حياتهم  عملية  أكثر، حياة سهلة، وأقل رومانسية!    

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق