الحقيقي بقلم كميل شحادة
2012-09-15 02:43:11

عطفا واستكمالا  لطرح سابق عن ماهو الحقيقي في حياتنا ،في تجاربنا المختلفة ، في ما نفكر ،نعمل نحب ونكره، نؤمن نحلم نتطلع وننجز ؟
في الحقيقة لا اطرق الموضوع من الزاوية العادية لأجدني خائض في مقارنة بين مُنتَج " أورجنال" اصلي وآخر زائف كما في الاسواق – سواء التجارية المادية ، والاجتماعية  – لأتبين الحقيقي في هذا المستوى ، بل اطرق الموضوع من داخل رؤية عرفانية تتجاوز الظاهر من المعطى للإدراك المتحول بتحول صور اغراضه وموضوعاته ، فيعبر الكائن وهو في عالم الظاهر من الولادة الى الفصل  كالنائم يحلم على ظهر سفينة الوجود وهوغير موجود في حقيقة الوجود .. وبالنسبة للنائم كل ما يراه ويعمله في الحلم حقيقي لا يدرك وهميته الا حين يستيقظ . كذلك كل ما يراه ويفعله السكران حقيقي بالنسبة له ،ولا يتحقق بوهمية حالته الا حين يصحو من سكره .. ومن يستطيع القطع بأن حياتنا الحسّية في العالم المادي ليست أكثر من حالة سكر وخدر ،أو حالة نوم واحلام ، بالقياس الى يقظة أخرى أشد وأوضح ، أدوم وأثبت وجودية ..؟ لقد اكد هذا الامر اصحاب التجارب العرفانية التجاوزية وحكماء اليوغا الفيدنتيين والصوفيين المستنيرين المشاهدين .. لقد اخذوا انفسهم بعيدا عن كل ما يشغل الآخرين ويشرط وعيهم في حياة يومية مليئة بالهموم والمشاغل والمشاكل ،وعكفوا على البحث والدرس والتأمل في حالهم وفيما يحيط بهم – في الماهية والعمق – ليس فقط في السطح والظاهر ، حتى وصلوا الى حالة مختلفة من الوعي والى بُعد مختلف من الادراك ،يتجاوز مقاييس المنطق العادي النورمتيفي الخاضع كليا لتأثيرات الحواس ،الواقفة بدورها وراء إنتاج التصورات والمفاهيم الثنائية الأولية للعقل ،سواء الطبيعية الموضوعية منها ، كالليل والنهار والحر والبرد والكبر والصغر ،أو الذاتية كالخير والشر والحق والباطل والخطأ والصواب الخ ..
مَ الذي أدركه وعرفه هؤلاء في مختبرات وعيهم ، الذي خرجوا به عن القاعدة الطبيعية العادية في عالمنا الفكري والحسي ..؟ ذلك ما لا يمكن الحديث عنه ، لا لكونه سريا تقويا كما بالاخذ السياسي لفلسفة هذه العقيدة او تلك ،بل لأن اي حديث عن تلك الحالة يشوهها ، يجدّف عليها يحرّف عنها صحتها وحقيقتها ،وذلك من حيث كونها فوق عقلية وفوق حسية ، ولا يحدها حد ولا يشرطها شرط . فقط  في لحظة هدوء تام وسكينة من كل فكر وصفاء من  أدنى تعكير ،يمكن ان تبرق في القلب وتملأ الكيان،وهو منقطع عن كل شيء بصورة عفوية لا خيار فيها . بعد ذلك نتحقق عمليا ان كل شيء وكل فكر وشعور وحس ،هو جزء لا يتجزأ من وجود مطلق . وما الكائنات والافكار والاشياء سوى شحنات متفاوتة الكثافة والذبذبة  والطاقة ، وهي متعارضة ومتضادة ومتناقضة في الظاهر فقط وبالنسبة لحواسنا ومفاهيمنا العقلية فقط ،بينما هي من جهة الوجود المطلق كأمواج متلاطمة في بحر واحد من مادة واحدة .. وفي الواقع لا مجال لتوقف الصراعات بين البشر النابعة من خلفيات واختلافات عقائدية ومذهبية وطبقية وسياسية ،إلا بالعمل على تحرير الوعي من كل تلك الخلفيات ، فليس فقط العامل المصلحي النفعي الايغوئستي الاناني المحض  ما يقف  وراء تلك الصراعات ،بل هو الجهل بحقيقة الوجود .. والإيغو الاناني عمليا يرتبط ارتباطا وثيقا " مقدسا " بمعظم العقائديات والايديلوجيات ،دينية وسياسية ، فكم حرب اشتعلت ولا تزال تدمر اليابس والاخضر في سبيل " أرض ميعاد ،وملكوت ، وأماكن تاريخية مقدسة ،أو في سبيل قضايا أمة ووطن " لا علاقة لها جميعا بالله الحقيقي وبالحق الحقيقي ؟ بل تعود جميعا لآلهة شتى من صنع الشهوات والاهواء والاطماع والجهل . 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق