الأبوّة أكثر خطورة من الأُمومة أحيانا بقلم: دينا سليم
2012-09-08 01:27:25

الأبوّة أكثر خطورة من الأُمومة أحيانا بقلم: دينا سليم - أستراليا

 تحتفل أستراليا يوم الثاني من أيلول بعيد الأب والأبوة، تكريما للآباء الذين يؤثرون إيجابا في المجتمع المتحضر، الأب الذي يشجع نصفه الثاني ويدعم خطواتها، يأتي هذا اليوم ليذكرنا بأهمية الأب في حياتنا واستمرارا لتكريم الأمهات والأمومة، معا يسيران من أجل حياة أفضل. كل عام وجميع الآباء الخيرين بألف خير. من أولويات الوالدين الحفاظ على أبنائهم، مراعاتهم، الإهتمام بهم، والقيام بتنشئتهم. لكي نحافظ على العائلة متماسكة ومتآلفة، هناك شروط هامة، علينا بالوفاء المتبادل والإخلاص، المشاركة والابتعاد عن الأنانية. كثيرون يعتقد أن مهمة الأب تقتصر على الأمور المادية فقط، فهو من يملك ويجني المال، هناك مثل يقول، والذي لا أوافق عليه " الأب جنّى والأم بنّى"، وإن أردنا أن نفكر به قليلا نلاحظ أنه يعالج أمورا مادية فقط، حيث غابت الأمور العاطفية والمعنوية. لن أخوض بما قيل في المثل، لكني سوف أقتصر القول على ما تشاهدهُ عيناي اللتان لا تكلانّ ولا تملان من مراقبة الآخرين، بل أكثر من ذلك، فتسجل الأحداث وتلتقط الصور أيضا. ودائما يسترعي انتباهي مشاهد لأسر متماسكة مُحبة، يبرز فيها دور الأب جليا، الذي يمنح الأمان، الحب، الاستقرار والانتماء لأطفاله وزوجه. هناك مشهد يتكرر في الحارة التي أقيم فيها، عندما تنطلق الأسرة بكاملها إلى ممارسة رياضة ركوب الدراجات الهوائية، من المعتاد أن تتخذ الأم مكانها في المقدمة، ثم يأتي الأبناء في الوسط، حيث الأب يبقى في الخلف حارسا أمينا لأسرته، يحمل على ظهرة حقيبة للاسعاف الأولي صغيرة الحجم للضرورة. هذا المشهد يذكرني بمشهد آخر أحمله في عقلي ومنذ طفولتي، ولو أتى متناقضا، وهو عندما كنت أرى جارنا (أبو علي) إن حدث وخرج مع زوجه (أم علي) إلى الحارة لزيارة بعض الأقارب خارجها، تضطر الزوجة أن تركض خلفه، تعمّد هو أن يسبقها في خطواته، فمحظور عليها أن تسير جنبه، أو أن تسبقه. يحضرني مشهد آخر، المجتمع العربي يستهجن أن يمسك الزوج يد زوجه في الشارع، وإن حدث وحصل يصبحان الإثنان مقولة وسخرية الآخرين وربما يتهمان بأكثر مما يتوجب. سبق وقال الشاعر حافظ ابراهيم " الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق" استميحه عذرا وأضيف بجانب كلمة "الأم"، " الأب" أيضا. لنعود إلى مشاهداتي اليومية، حيث تتكرر أمامي صورة الأب التي لم أتعود عليها في كثير من الأحيان، فأراه هنا يأخذ زمام المبادرة بالتساوي مع زوجه من أجل رعاية الأطفال، وحتى أن الضّمان الاجتماعي، "السينتر لينك" يساهم بأن تمنح حضانة الطفل للأب في غياب الأم، أو عندما تعود إلى العمل بعد انتهاء إجازة الولادة. المشاركة بين الأبوين في تنشئة أطفالهما تكون فعلية ومعنوية مدعومة من المجتمع والحكومة، وهذا ما لا نراه في الشرق حيث تلتزم الأم نحو مجتمعها وما يمليه عليها من سلوكيات، وفي كثير من الأحيان تفقد وظيفتها لهذا السبب. كلمة "دادي" تملأ أذناي حيثما أذهب، كلمة جميلة جدا؟ انتظرت في قاعة الإستقبال في مطار (بريزبن) الدولي لكي أستقبل قريبة لي آتية من الشرق، امتلأت القاعة بالأطفال وأمهاتهم، وكلما فُتح الباب نحو القاعة انطلقت معه كلمة واحدة طرقت أذناي، صرخة حب عاصف انهالت مثل الفأس على رأسي، (دادي)، صرخة جميلة من طفل أو طفلان ينتظران مجيء والدهما، وعندما يظهر الأب، يتراكضان نحوه بلهفة وشوق، يتسلقان على جسده كشجرة، وهو بدوره يحملهما بين يدية تاركا عربة الحقائب جانبا، يقبلهما، ثم يقبّل زوجه قبلة من الفم، يحيطها بذراعيه ويغادران معاً بمحبة، يا له من درس قدوة للأطفال، يحمل معان كثيرة، أولا أن القبلة، شيء هام وحيوي تمدنا بالإنسانية، تخص الحب والاشتياق، الشّكر والوفاء، المحبة والكرم، والإعتراف بصفات الآخر الحميدة، القبلة هنا أسلوب ونمط حياة حقيقي (لهؤلاء الناس) والبريئة من كل تفكير دنس، لا أعتقد أنه يوجد مشهد أجمل من هذا، خاصة عندما نرى الأطفال يتراقصون فرحا بوصول الأب وتآلف الأبوين أمام أعينهم. يُفتح الباب مجددا، كلمة (دادي) تنطلق من جديد، طفل آخر يفوز بعودة والده، و(دادي) آخر وآخر، وقبلة وقبلات أخرى، أحببت المنظر، القبلات تتدفق من كل جنب وصوب، الضحكات تتناثر في الفضاء، الأطفال يتنفسون الصعداء بعد انتظار طويل، الآباء فخورون بعائلاتهم، وعندما سألت عن الحكاية، علمت أن طائرة من "هونغ كونغ" حطت في المطار، حملت على متنها فريق كرة قدم، عاد الى أستراليا بعد انتهاء مشاركتهم في مسابقة دولية. استمتعتُ بمشهد رائع ونسيت قريبتي التي قطعت عليّ حلم خيالي، انتبهت لها عندما بدأت تناديني وتصرخ باسمي بصوت عال لكي أراها، وعندما التقينا أمسكتني من أذني ووبخني لأني لم أسمعها، ثم قبلتني قبلتين باردتين، والحقيقة تقال، أني لم ألحظ دخولها قاعة الاستقبال، وكنت قد نسيتها بلحظة تفكير، حيث بقيت مع هذه الأسر التي غابت عن ناظري، لكن كلمة (دادي) الرنانة بقيت داخلي، حتى لو استبدلناها ب (بابي) أو (والدي) أو (أبوي) أو ( بابا) أو (أبي) أكيدة أنا أنها ستحمل ذات المعنى، معنى الحصن المنيع الذي يوفره الأب للآخرين، ذلك الأب البريء من تمثيل رأس السلطة المستبدة فقط.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق