مثل في الجهل بقلم امال ابو فارس
2012-09-04 20:42:00

حين يبلغ احدهم منصبا او مركزا في هذه الدنيا يتخيل نفسه ان الله اوجد هذا العالم فقط من أجله، وان الكون يدور من حوله وقد سخِّر له وحده . ثم انه قد يبلغ حد الجهالة بان يتخيل له انه يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولا يعلم ان الله وحده هو الذي يرفع ويذل من يشاء.
إنه لا يعلم ان متعة المناصب مؤقتة بل زائلة ومرهونة بالزمن.  فقط حينما يواري جسده التراب يعرف انه لم يكن سوى تراب نفخت فيه روح الحياة، وجاءت الساعة لتأكله الديدان، عندها فقط يعرف انه لا شيء.
لو عرف الانسان كنهه لصام عن الاكل والشرب. لأنه سيعرف انه مجرد شبح اسمه انسان، يظهر بصورة ما، ثم يختفي ليكون على صورة اخرى. وانه لا يملك شيئا في هذه الدنيا. فالهواء الذي يتنفسه لا يملك سيطرة عليه، فانه يدخل الى خياشيمه ويخرج بتلقائية تامة.  ثم ان اولاده الذين انجبهم ليسوا ملكه، لان الله يرزقهم له حين يشاء ويأخذهم حين يشاء! فكيف به هذا الفاني ان يبلغ به الجبروت حدا يظن نفسه انه يستطيع تغيير القدر، وتحديد ارزاق البشر؟
ثم انه قد يبلغ به الغباء لدرجة يظن نفسه فيها انه باعث الارزاق ومحدد القِسَم للناس. فيظن أنه بحرمانه للآخرين بدافع اللؤم والضغينة، قد يقطع الله عنهم موارد الحياة، وهو لا يعلم ان الله وحده الرازق. فلا يُغلَق باب في وجه العبد إلا ويفتح الله دونه ابوابا اخرى. ومثل الطامع في هذه الدنيا كمثل الماء الجارية بقوة فإنها تأخذ كل شيء في طريقها، ولا يبقي من بعدها سوى الخراب. وعندما تستقر على حالها وتهدأ، تكون قد تلوثت بالقاذورات والوحل والطين وكل شيء جرفته في طريقها. 
اعلم ان الحياة يوم لك ويوم عليك، فان اتتك الايام حلوةً، فاعلم انها ستزول لا محاله. لكن احمد الله لأنه منّ عليك بها، ولا تتفاخر ولا تتباهى بها لأنها ليست مشيئتك با مشيئة الله عز وجل. ثم اعلم ان الايام الحلوة سوف تقابلها ايام عسيرة، فاصبر على قضاء الله فيها ولا تعاند قدرته؛ لأنه ربما يكون هذا امتحانا لك. فاعمل في ساعات اليسر لساعات العسر حتى يشفع لك الله فيها عندما لا تجد شفيعا. وإذا رامتك نفسك ان تذل أحدا، اعلم ان الله هو الاقدر. وخف من عقابه ومن عذابه ساعة لا ينفع فيها الندم.
ثم من علامات الجهل والغباء أيضا، ان يظن ذوو المناصب انهم اخيار المجتمع. فربما كانت لله حكمة في تنصيبهم اراد بها كشفهم للناس ليتبين ما في انفسهم للعيان. فلو بقي الانسان في بيته بعيدا عن الاعين لما عرف الناس معدنه لقلة تجربتهم به، ولبقي مستورا بعيوبه. لكن الحكمة الالهية لا يمكن أن يدركها احد. ولهذا فإن عقيدة التوحيد تنهي عن الجري وراء المناصب، لأن الله هو الحاكم الاحد. فلا يمكن لأحد غيره ان يتحكم بالكون وبالأرواح والأرزاق.
من اراد وأحب المنصب من اجل خدمة الناس فهو لا شك من الأخيار، ويكون مسلكه الاستقامة والصدق قولا وعملا، وسوف ينكشف أمره للناس لينال التقدير والثناء والمديح. أما الذي يجري وراء المنصب طلبا للجاه والتفاخر، فسوف يعلم أنه يجري وراء السراب. وسوف ينكشف امره للناس عاجلا ام آجلا ليعلم القاصي والداني دناءة خلقه. وسيعلم ان هذه الدنيا "دار ممر لا دار مقر"، فمها علا وكبر فانه لن يكون افضل ممن يجمع القمامة من الطرقات لأنهما سيتساويان تحت التراب. فمن اتق الله، دله الله على كل شيء!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق