كلمة حق في رجل أحب الحق ولزمه بقلم الشيخ فايز عزام
2012-08-31 18:06:43

فقد وخسر العالمان العربي والإسلامي ولبنان والطائفة الدرزية في المواطن والمهاجر العالم والأديب والشاعر والرسام والخطاط والباحث والدارس في العلوم الإسلامية والصوفية والباطنية الشيخ الدكتور أبو نسيب سامي مكارم. حظيَت دراساته وأبحاثه وترجماته في العلوم الإسلام والصوفية والباطنية بتقدير جمهور العلماء في العالم اجمع. وكان من المحاضرين البارزين في الجامعة الأمريكية في بيروت. وحظي أيضا بتقدير الأجاويد واحترامهم لعلمه ومسلكه. وكان يعتز بهذا الحظوة.
وأنا فقدت أستاذا وعارفا ومرشدا ومفيدا وكهفا وبحرا وسماء كنت اقصده والجا إليه كلما تعذر المفيد والمرشد وكثرت التساؤلات واستعصت المسائل وحار الفكر، لأغوص في بحره واسبح في سمائه لاقتناص الجواب الشافي الكافي.
أول ما عرفته من كتاب "أضواء على مسلك التوحيد" الذي ألفه مع المرحوم كمال جنبلاط، والذي فتح أمام الناس أبوابا جديدة لفهم التوحيد الدرزي وأصبح مدرسة ومرجعا في بحث الفكر الدرزي التوحيدي، تخرج منها جيل من العلماء والباحثين والأتقياء. وليس عبثا ان سمى كتابَه أضواء على مسلك التوحيد الدرزية فقد كان الكتاب ومؤلفه ضوءا بزغ في سماء الطائفة وأنار الطريق لأجيال قادمة. أما عن مؤلفاته الأخرى فلنا عودة في حديث آخر.
وما من درزي خدم الفكر التوحيد  الدرزي ونشره وشرحه بصورة ناصعة للقريب والبعيد، كما فعل الدكتور سامي. فقد كان مع المرحوم كمال جنبلاط داعيي القرن العشرين.
تمنيت لقاءه وجاءت الفرصة. فزرته مع وفد من المربين في بيته في عيتات سنة 82. فلقيت عملاقا في العلم والمعرفة واللغة والاسلام والصوفية والإسماعيلية. ووجدت فيه شيخا روحانيا سبر أعماق الحكمة وفهم مضامينها، عرفها وآمن بها وسار على روحانيتها وهداها لا حرفيتها.  وان لم يلبس العمامة البيضاء فقد كانت تعلو هامته عمامة روحانية نورانية. ولمست عنده تواضع العالم المسافر الدائم الباحث عن الحقيقة.
لم يأل جدا في خدمة الطائفة بالكلمة والقلم. فقد كتب عشرات الكتب ومئات المقالات. وجال مواطن الدروز ومهاجرهم يشرح ويفسر ويعمق الفهم الديني الروحاني. فقد كان فارس المنصات الفلسفية وزينة المجالس الفكرية التوحيدية. وما عقد مؤتمر في العالم حول الدروز إلا وكان يتصدره. وكان له القول الفصل في كل نقاش وحديث وبحث ومشكلة عقائدية فكرية. كان مرجعا في الحكمة ومرجعا في الصوفية ومرجعا في الباطنية. كان صاحب وفكر وعقيدة ومسلك. خسرنا بوفاته قلما وفكرا منافحا عن العقيدة الدرزية، ومفسرا وشارحا وداعيا روحيا، ياسر الناس بحديثه الطلي الروحاني الهادئ .
لقد علّمت الناس الشجاعة المعروفية يوم قلت عندما أوقفوك على الحاجز، وكادت يد اللؤم والغدر تمتد إليك. قلت: لم اخش الموت بل كنت انتظر ان أرى وجه أمي الجديدة كيف ستستقبلني." لقد كتب الله لك عمرا جديدا لتكمل رسالتك الإنسانية والتوحيدية في خدمة العلم والطائفة. ولقد أديت الواجب كما شاء لك الله وكما شئت. وتستطيع ان تقول اللهم اشهد أني بلغت. ونحن نشهد والله خير الشاهدين انك كفيت ووفيت وأفاضت وقدمت وواسيت وعلمت وعملت. وكنت نموذجا في الطهر والأنفة والتواضع والمحبة والتفاني ومكارم الأخلاق يا مكارم. 
كان له كل أسبوع في عيتات جلسة وعظ يجتمع فيها شباب وشابات ليسمعوا وعظا وشرحا يشمل الدين والدنيا ويشمل كل العقائد والأديان، وينشر المحبة والتصافي والوحدة وكرامة الطائفة ورموزها الدينية.
لبى دعواتنا مع رفاقه الكرام  للقائنا في الأردن، انطلاقا من إيمانه بنشر فضيلة المعرفة التوحيدية لكل الدروز عقالا وجاهلا. لأنه كان يعتقد ان مستقبل الطائفة مرهون بفهمها لدينها واتبعاها له. وبنشر هذه المعرفة بين الشباب والجيل الصاعد الواعي. لقيناه مع إخوان لنا ونهلنا من عذب حديثه وسعة معلوماته وفهمه العميق.
لقد بهرتنا يوم شرحت لنا الآيات "إنما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون" ويوم شرحت "المسافرة في التعاليم. وفسرت " وارجعوا  الى صحفكم فبيضوها" وغيرها.
فأبدعت وأقنعت وجعلتنا نغوص في عوالم لا اخرر لها من الوعي الروحاني الباطني الذي يجعل لسماع النص طعما لذيذا وسحرا مبينا. وسافرت بنا الى عوالم من الخشوع والإيمان.
وآخر أقواله المؤثرة التي قالها في ذكرى الإرث الروحي للشيخ المرحوم أبو محمد جواد الذي أقيم في أبو سنان بما معناه: كنت أتمنى ان اقبل حذاء هذا الشيخ لما اتصف به من التواضع والتضحية والعلم والجرأة التقوى. وبما سعى بقدميه الى الصلح وكرامة الطائفة."
وأنا أقول: ليتني قبلت راس الدكتور سامي إجلالا لما قدم من علم وفكر وفلسفة ودين وتقوى، ولثمت يديه تقديرا لما كتب ونشر من العلم والمعرفة والدين.
لن انسي فضلك في تشجيعي على تحقيق كتاب عمدة العارفين للشيخ الأشرفاني ومراجعته وتقييمه، وتزويدي بملاحظاتك وبالمصادر النادرة القيمة التي تمتلكها. وهي من اثمن وأندر الكتب التوحيدية. فقد كان والدك المرحوم  الشيخ الخطاط نسيب مكارم رجل دين وعلم وأدب.
تواعدنا على اللقاء في تركيا مع الإخوة الذين التقوا معك واشتد بهم الشوق الى لقاء آخر ليغرفوا من علمك وتقواك. انتظرت هذا اللقاء لأهديك نسخة من كتاب عمدة العارفين الذي وجهتني وأعنتني في إخراجه على الوجه الذي تريده.
رحمك الله يا أبا نسيب رحمة واسعة وأسكنك فسيح الجنان. وهدانا ان نسير على هديك وتقواك وتواضعك وحلمك وحبك لما فيه خير الطائفة والعالم اجمع.
وداعا يا أستاذي ومعلمي وشيخي. كنت لك مريدا وتلميذا. ارجو أني كنت مقبولا لديك. وسأظل حافظا لفضلك شاكرا لخيرك.
رحمكم الله بقدر ما أفدت وعلمت عقولا، وهذبت نفوسا، وفسرت وشرحت ودافعت وخطبت وكتبت والفت ووعظت وهديت وصلحت وأصلحت ومشيت في سبيل خير، وسافرت واعتليت منابر وحاضرت في مؤتمرات.
فهيئا لك زوادتك التي تلقى بها وجه ربك. شهادتك معك، والله خير الشاهدين.
تعازينا الحارة ومشاركتنا الى أولاده وعائلته وال مكارم أينما كانوا، والى كل بني معروف والجامعة الأمريكية ولبنان وجمهور العلماء في كل العالم بوفاة هذا الفقيد العالي العظيم الكريم الطيب الذكر

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق