عندما يحرد القلم، أتركه لكي يتنفس الصعداء وبخته لأنه عاندني وأطال... طال انتظاري واحترق، وبعد أن هاج بركاني وثار
 أسقط الحبر أدمعا بيضاء ثم قال...كانت البداية عندما اتفقت على موعد فلقاء مع صديقة وكعادتنا أول أربعاء من كل شهر، وفي ذات المقهى الجميل المحاط بطيور الحب التي تتخذ لها الحديقة مترامية الأطراف مسكنا لها، الممتدة على طول النظر وحتى ضفة النهر المقيم دائما وأبدا في ذات المكان.
تأخرت صديقتي، أنا فرحة أني سألتقيها وحدها اليوم وذلك في غياب باقي الرفقة الرائعة، لأني أردت أن أسكب ما يجيشه قلبي المفعم بالسعادة والمرارة معا لها، فربما تستطيع مشاركتي همي وتسمعني، فالتشاور معها بحل بعض الأزمات واختلاف الآراء المتفشية بشكل فظيع الآن بين الناس شيء هام جدا.
وقبل أن تأتي تملكتني فورة كتابية، بحثت عن قلمي، وجدته داخل الحقيبة واستعددت للكتابة، لكنه عاندني وأصر على الصمت، فركته لكي أدفئه، قلت ربما يشعر بالبرد مثلي، ارتجف بين أصابعي ووقع على الطاولة، تركته وطلبت فنجان قهوة، قلت لنفسي، " أتركه حتى يتكلم هو وحده دون أن أعانده"، لكنه استمر في حرده لي وصمته، بكى القلم أمامي، رأيت دموعة البيضاء تنزف على الطاولة فتستقر بجانب فنجان القهوة، تمازج اللّونان الأسود والأبيض بينما قلبي يخفق غيرة على كلمات إن لم أدونها فستنفذ منها ذاكرتي وتذوب، ولكي لا أفقد الكلام، فركته وعنّفته، لكنه أبى أن يكتب في صفحة ما زالت تحتفظ ببياض سطورها، تركته مجددا وتأملت البلابل المتراقصة حولي، تتقافز سعيدة من غصن إلى آخر، وبدأت أشعر بالغيظ لأني لا أستطيع سكب ما ترسله لي روحي من نشوة الكتابة طالما هذا القلم يرفض ذلك، أخبرتُ نفسي: " إن استمر في عصيانه فسوف أنسى خواطري فتموت الكلمات"!
تأخرت صديقتي، مرّ الآخرون يحملون وجوها سعيدة، وأقداما راقصة والرياح من حولي تشتد، اقتربت النادلة من طاولتي تسألني إن كنت بحاجة لبعض الدفء، لكي تشعل المدفأة المتكئة على عمود مزود بالوقود، فخطر ببالي خاطر، هو أن أطلب منها قلما، وبعد أن مشطت جيوبها سريعا عنه ولم أجده عدلت عن طلبي.
حدقت في الجملة المحفورة على ظهر القلم، الذي احدودب أمامي فتحول إلى جثة هامدة، هذا الذي صمت عن الكلام، ( الشركة العربية لنقل الأموات من المغترب إلى الوطن).أستراليا