عرض خاص – أطفال للبيع بقلم دينا سليم (حنحن) – بريزبن
2012-08-12 15:28:44

عندما تكبر الأنانية وتستحوذ على دواخل الإنسان، عندها يصاب بمنظومة العمى القهري فلا يعد يفكر إلا بنفسه، وعندما تكبر الحاجة الملحة فتنغص دواخله، لا يفكر إلا بالحصول على ما يصبو إليه، وعندما يكبر فيه الجبروت... يعرض أبنائه للبيع.
لا أسخر، بل هي الحقيقة، فقد بدأ سوق بيع الأطفال ينمو ويكبر، البيع مستمر، إما في الخفاء أو علنا.
هذه المرة بطلة الحكاية امرأة أمريكية تعاني من أزمة كبيرة، وهي أنها لم تستطع الاعتناء بطفلتها الصغيرة التي تبلغ أربعة شهور من عمرها فقط، لأنها تمنعها من النوم، وربما تمنعها من المضي إلى العمل أيضا، فليس لها من معين يساعدها في تربيتها، حيث أسعار دور الحضانة باهظ جدا، وربما هنالك أسباب أخرى لا نعرفها، لذلك لن نتسرع ونحكم عليها.
امرأة في ربيع العمر تعرض وليدتها للبيع عن طريق الانترنيت، مقابل أربعة آلاف دولار، لا غير، وعندما وجدت من يشتري، أرادت التخلص من المهمة بأسرع وقت ممكن، وعن طريق الصدفة افتضح أمرها، عندما مرّ مالك البيت إلى مسكنها يطلب منها الأجرة الشهرية، فوجد الطفلة وحيدة في البيت، مما أدى به الاتصال بالشرطة، التي بدورها اقتحمت البيت، أخذتها وأودعتها في حضانة خاصة ببيت الرعاية الاجتماعي حتى الانتهاء من النظر في القضية، يعني على الحالتين، سوف يتمّ التفريق بين الطفلة والأم.
أما الشّاري فقد أحس بالندم، فقرر أن يخبر الشرطة بما تنوي الأم فعله، وهكذا استطاعت الشرطة أن تجد الدليل بسرعة فائقة، مما أدى إلى فتح قضية إهمال وجريمة مدبرة قيد التنفيذ ضد الأم.
لا أتحدث عن فلم شاهدناه من قبل، بل هذه المرة هذا الفلم حقيقي جدا، والأم حقيقة واردة، والطفلة أولى الضحايا.
لقد أصبح التنكيل بالأطفال عادة منتشرة في العالم، هذا الملاك البريء، الذي لا يملك القوة للدفاع عن نفسه حيث الآخرين يقررون في مستقبله، هذا المسكين يضحك حتى لقاتله، يضحك للدنيا والحياة وحتى الموت، فيصبح مستقبلا، طفلا مذبوحا، أو مَسبيا، أو لصا، أو ابن شوارع.
الصحيفة التي نقلت الخبر، لم تتحدث كثيرا عن السبب الذي أدى بالأم التضحية بوليدتها، لكن، ولكي نعلم عزيزي القاريء، أن الأم الوليدة عادة تخرج من مرحلة الولادة بخسارة نفسية لا يدركها سوى المهنيون والأطباء الذي من واجبهم تعقب حالتها، حيث تبدأ معاناة الوالدة من هذه الحالة منذ اليوم الثالث للولادة، نجدها هادئة جدا، تتأخر بردود الفعل، غير سعيدة، باكية، ساهمة، حائرة، حزينة، مصابة بالنسيان، بالحباط، عدم التركيز، وأحيانا تكره وليدها فيهرب حليب ثدييها منها.
أكثر من 50% - 80% من الأمهات يعانين من الاكتئاب بعد الولادة، إن كانت ولادة أولى أو عاشرة، وتستمر الحالة عدة أيام، أو عدة شهور، وإن تعدت الثلاث شهور، يجب أن يُنظر للموضوع بغاية الأهمية، ذلك وإن بدأت تظهر الأعراض أكثر صرامة وحديّة.
الأسباب التي تجعل حالة الاكتئاب أكثر قسوة: قلة النوم، نعلم أن الطفل يلزمه معاملة خاصة في الشهور الأولى، وأنه لا ينام أكثر من ثلاث ساعات، وربما أقل، ثم خضوع الأم لمهمة الرضاعة، أمر تستصعبه بعض الأمهات لما فيه من صبر وتأنٍ، التغييرات الحاصلة في يوميات الأم الحامل، ونسيانها لتناول الطعام، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم، ناهيك عن الظروف الأخرى الخطيرة التي تصاب بها، الشكوك، الخوف الشديد غير المبرر على طفلها من فقدانه، أو الشعور بالعزلة، الخوف من المستقبل وعلى عملها أو دراستها، وأن هذا الطفل الجديد جاء لكي يحدّ من استمراريتها في حياتها العملية والعائلية، وأحيانا تنتابها نوبات من الرّعب وتخيلات بفقدانه.
تعتبر هذه الحالات معتدلة وعادية جدا، وحلة تكيّف طبيعي للأم، لكن إن زاد الأمر عن حده وتطور واستمر ووصل حد الخطورة يجب البحث عن الأسباب الوراثية، الاجتماعية، المشاكل الهرمونية، والبحث عن الظروف الخاصة الصحية للوليدة، وتشجيع الزوج والأهل دعمها والأخذ بيدها حتى تخرج من الحالة.
وأخيرا، أرجو أن يأتي حكمنا على هذه السيدة خفيفا وليس طاغيا.  
     
 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق