قصة رجلين لا يعرفان بعضهما بقلم امال ابو فارس
2012-08-07 14:52:43

كان السيد صِدْق يتمشى بين أحضان الطبيعة، ويتأمل بدعة الخالق فيها، والعصافير تطير من غصن إلى غصن تلاحق الفراشات الملونة، وإذا به يلمح شخصا قادما من بعيد، قصير القامة، شديد البنية، يتقافز بين الأشجار متطاولا أحيانا ليقطف بعضا من ثمارها. اقترب منه السيد صِدْق وحياه ببسمة صادقة فرحا برؤيته وظن بأنه سيلاقي المتعة معه.
- السلام عليك يا أخي
- عليك السلام
- من أنت؟ وماذا جئت تفعل في هذه الأرض؟
- أنا السيد سياسة، ابحث لي عن متعة أسلّي نفسي بها... لم استقر على شيء حتى الآن. من أنت؟
- أنا غريب، اسمي السيد صدق.
- غريب هذا الاسم إنه قديم جدا. أما زال الناس يسمونه حتى اليوم؟ فانا لم أسمع به منذ أمد طويل.
- هناك أسماء ما زلنا نحافظ عليها.
- تعال نتمشى أنا وأنت لنقتل بعضا من الفراغ الذي يلاحقنا.
- هيا بنا...
تابع الرجلان سيرهما، فمرا على عين ماء اجتمع حولها قوم من الناس كانوا قد وردوها ليملئوا منها جرارهم المثبتة فوق الدواب. اقترب السيد صدق وطلب جرعة من الماء، لكنه أصيب بالدهشة مما رآه. فقد كانت العين جافة خالية من الماء، وبالرغم من ذلك انهمك القوم في انتشال الماء وملء الجرار. صاح بهم السيد صدق: ما بالكم يا قوم؟ ألا ترون أنّ عين الماء قد جفت وخلت منها الحياة؟ إنكم تخرجون الهواء وتملئون الجرار بالسراب! لكن أحدا لم يكترث لما يقوله. صرخ بهم بأعلى صوته: توقفوا! ماذا جرى لكم؟! لكن دون جدوى.
اقترب منهم السيد سياسة قائلا: عافاكم الله أيها الرجال! ... أيمكنكم إعطائي شربة ماء أروي بها عطشي؟ فناوله احدهم ماء في وعاء كان قد حمله معه، وتظاهر السيد سياسة بالشرب. ثم أعاد الوعاء شاكرا حامدا، وانهال عليهم بأجمل عبارات المديح واصفا كرمهم بأنه كرم الطائي، وبان مياه عينهم عذبة كالسكر...
جفل السيد صدق في مكانه ولم يدرك ولم يستوعب ما يدور حوله. فتركهم وقفل راجعا. لحق به السيد سياسة راكضا، وناداه بصوت متقطع أعياه تعب الركض بسبب قصر قدميه ووزنه الزائد. التفت السيد صدق وصاح به: لن أبادلك الكلام حتى تشرح لي ما فعلت. قل لي: كيف استطعت أن تخدع هؤلاء القوم وتدّعي وجود الماء في عينهم الجافة؟! لماذا لم ترشدهم إلى الحقيقة؟!
- وهل طُلب مني ذلك حتى افعل؟
- لكنك رأيت هؤلاء المساكين، بأنهم عميان البصيرة، ألم تخجل من نفسك وأنت تزيد على جهلهم جهلا؟!
- وأنت، ما شأنك في ذلك؟ 
- ضميري لا يتحمل أن أتجاهل ما رايته من هؤلاء القوم، لان واجبي يحتم علي تحمل مسؤولية ما يحدث لهم.
- وهل طُلِب من ضميرك التدخل فيما لا يعنيه؟ يبدو انك أنت الأعمى وليس هم... ألم ترَ سعادتهم في جهلهم الذي تدعيه؟ ألم تشعر بعلامات الرضا على وجوههم؟ من أنت لتأتي فجأة وتوقظهم من هذه الغفلة؟
- أنا إنسان مثلك!
- لا إنك مختلف! ألا تدري بان الناس يتضايقون ممن يجرؤ على إيقاظهم عندما يكونون في سباتهم؟ إن أمثالك غير مرغوب به في هذه الأرض! لقد قلت لك إن اسمك قديم جدا، لا احد يرغب في سماعه هنا.
-  ويل لك أيها السيد!  هل تلمح لي أن في بلادكم يكرهون اسمي؟ اذهب لحال سبيلك، اذهب إلى قومك! وهذا فراق بيني وبينك، فأنا وأنت لا يمكننا أن نتواجد في هذا المكان. سأترك بلادكم دون عودة، ولن ارجع إليها إلا عندما تشتاقون إلى وجودي بينكم...
افترق الرجلان وذهب كل منهم إلى حال سبيله.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق