لن أمتثل إلا لدين البشرية بقلم: دينا سليم (حنحن) أستراليا
2012-07-03 21:49:44

أغنيتي لم تعد مجرد أغنية، قلمي لم يكن أبدا قلمهم، وعقلي لن يشتريه أحد! نص قانون الغاب يسيطر أكثر، لكنه لا يشملني أنا، عقدوا اتفاقيات عنصرية يطبقونها ونسوا أنفسهم هؤلاء السخفاء ( لا أشتم بل أتألم)! اقترحوا عليّ اقتراحاتهم البلهاء، أملوا عليّ خططهم، وقفوا خلف رقبتي وانتظروا، لن استسلم إلا لهذا الهائج داخل عقلي، لا أحد يعرف ماذا يجري في محيط ذلك الرأس العظيم، رأسي! لكنه يصاب بالصداع عندما يرى مشاريع القتل منتشرة هنا وهناك، دماء، ضحكات هستيرية، صلوات، وجوه تبكي، أمهات ثكلى، أطفال جائعون، عباءات سوداء، ألوان، أوحال، أوغاد، وشمس واحدة منتظره!
 ادّعى الصينيون أن ثمة علاقة بين الطحال وشعر رأسنا، وبين ظهور الشيب مبكرا والكليتين، وانخفاض نسبة الدماء في عروقنا وتساقط الشعر، يعني ذلك أن الطحال ليس مقبرة لكريات دمنا الحمراء فقط ، كل شيء ممكن، أوافق!
 شاهد عيان يؤكد أن الفَرَج مرّ من هنا ولم يجد الصابرين بانتظاره فغادر، آخر أصرّ  البقاء حيث هو، ينتظر الفَرَج منذ أعوام وأعوام ربما يعود (قال) ، فعل مثلما فعل استراغون في مسرحية (إنتظار غودو) الذي انتظر كثيرا ولم يمرّ (غودو) أبدا!
انهمكت الفضائيات في البحث والنبش عن فضائح لكي تستثمرها في برامجها التافهة الممولة من رؤوس أموال تحب الحياة السهلة، بينما ينهمك الأستراليون في معالجة أمر المهاجرين غير الشرعيين الذين يلقون حتفهم كل يوم في قلب المحيط قبل الوصول، وكذلك بأمر الحيتان، خوفا على انقراضها، تلك التي تلقى حتفها في المحيط من قبل الصيادين اليابانيين المولعين بلحمها وجلدها. هل تريدون مواضيع لبرامج مجدية، تعالوا إلى هذا الرأس المليء بها، ( لست متكبرة بل معتدة)! يا لكثرة الأحداث السيئة التي تطبع في الذاكرة الآن!
أعد قهوتي الصباحية وأبدأ نهاري من جديد، صديقة تتصل بي متشوقة لسماع صوتي، فأقول لها، ما زلت حيّة أرزق فأغلق الخط حالا! كلب الجيران يزعجني، أحتاج إلى موسيقى رومانسية هادئة تعيد إلى نفسي هدأتها، فيروز، نعم، هي، خيم صوتها الملائكي على المكان، (بيني وبينك يا هالليل، في حب وغنية..) سكت كلب الجيران، لكن صاحبته تذمرت، معها حق، إنها لا تفهم لغتي، ولن أستمع إلى موسيقى أخرى تفهمها هي!
 المذياع يذيع أخبارا شتى، الإحتقان الطائفي الذي بدأ يتفاقم في العالم، عن مظاهرات جديدة، اعتصامات واحتجاجات، انقلابات في (مالي)، عن زيادة العنف الأسري، الرجال يقتلون زوجاتهم وأبنائهم، عن مبادرات سلام جديدة فاشلة، ارتفاع سعر برميل النفط ، جوائز الآوسكار... أغلقته وارتحت!
التلفاز يبث أخبارا مزعجة، الغبار يملأ الساحات والنازحين يهربون بجلودهم حفاة، يحملون فرشاتهم على ظهورهم يبحثون عن مأوى، المطر يهطل فتتعطل خطوات الآدميين داخل المياه، طوفان آخر يأتي، اين أنت يا سيدنا (نوح)؟ لم أستطع غلقه فتواصلت الأخبار...
وصلت صديقتي بواسطة دراجتها الكهربائية لكي تكسر الهدوء الجميل المستتب هنا، تترجل بسرعة، فتاة عصرية تمارس حريتها على أكمل وجه في بلاد لا يعرفها أحد فيها، حيث تُحترم الحريات الشخصية، تحمل قالبا من الكعك، جاءت لكي نواصل قصة، (في بيننا خبز وملح)، القصة طالت، ولم تعد تعجبني، ربما لأنها أتت هذه المرة وهي تحمل بدل الملح سكرا وبدل الخبز كعكا، على كل حال، أهلا وسهلا بها، دخلت، تمددت على الكنبة، كما هي عادتها، رفعت قدميها وهي تقول:
- هل علمتِ؟ - ماذا؟ - أني أتقن إيجاد الطالع داخل فنجان القهوة، (تعالي نعمل قهوة لكي أقرأ لكِ الفنجان)! – لماذا، ما هو الشيء الذي تريدين معرفته عني فأخبرك به دون هذا العناء! - لا شيء أبدا، فقط للتسلية، ثم أنا فعلا لا أعرف عنك أي شيء، بماذا تؤمنين، بمحمد (صلعم) أو المسيح، أو ربما كنت يهودية، من يدري! أجبتها محتدة: - تقيمين في بلد لا يهتم بالديانات وما زلت تفكرين بها، هنا يقيم آلاف البشر يعتنقون دينا واحدا. - ما هو، ما هي غالبيتهم، أرجو أن يكون الدين ال... هو المهيمن هنا! - نعم يا صديقتي الدين المهيمن هنا هو الدين الذي يحترم الإنسانية والإنسان، اسمه دين البشر والبشرية!
أدرت بصري نحو المكتبة العملاقة التي تحيطني في أجزاء الغرفة الثلاث، حيث سقط نظري على اسم جان بول سارتر، (الغثيان) كتاب قديم جدير بالقراءة مجددا، واستمر التلفاز، كالعادة، في بث أخبار لا يمكن أن نجد لها طالعا داخل أكبر فنجان قهوة على السواء، هلا غادرتِ المكان يا صديقتي، لأن لغتك لا تشبه لغتي...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق