في أي همّ ننفق الوعي والطاقة ..كميل شحادة
2012-05-24 09:20:14

لكل منا ههموم جوهرية بمثابة مَلِكة لسائر الهموم .. بالنسبة للبعض هي (الواجب)
تجاه المناسبات الاجتماعية المختلفة ، وعلى وجه الخصوص الأتراح والأفراح ،مثل اؤلئك غير مستعدون لتفويت فرصة للمشاركة في هذه المناسبة او تلك ،حتى لو كلفهم ذلك مشقة وانفاق نصف نهارهم أو نصف يومهم . ولا تجدهم إلا على الطرقات والشوارع وفي الأزقة .. 
بينما تتمثل الهموم الجوهرية للبعض الآخر في تعبئة أوراق اللوتو في ملاحقة  "تأملية" لا يعرف اليأس طريقا ً إليها، لمجيء الحظ بالمبلغ الخيالي الذي يحلم به .. في حين تتوج عقول البعض خيالات من نوع آخر ، وتعشش في قلوبهم هموم من صنف مختلف تطغى على سائر الهموم الأخرى ، تتجلى لهم في مركز اجتماعي يحسدهم عليه الغريب قبل القريب .. ومثله همّ الشهرة والغنى والمجد وهمّ الاحترام والاحتراف  والقوة والنفوذ . ويسمح البعض لنفسه سلوك شتى الطرق واستخدام شتى الوسائل في سبيل الوصول والحصول .. عمليا وبالأحرى ليس وجود مشاكل العالم كلها تقريبا وعلى المستوى الواسع للكلمة ،إلا بسبب  سلوك غير شرعي وغير سليم لتحصيل الأغراض والوصول للأهداف  ، سواء في مستوى الأفراد والدول . كمشاكل الحروب والصراعات الحامية والباردة المختلفة ، ومشاكل البيئة والطاقة والأسواق والتجارة والصناعة والسكن والتغذية والفقر والغلاء والجريمة والانحراف .. هذا الانحراف الذي بلغ في بعضه من التجذر و"التنرمل" والتوسع والقبول الاجتماعي ، أن فرض نفسه على رأس أولويات أكبر رئيس لأقوى دولة في العالم ،فيقر مع اكثرية نيابية اميركية بحقوق ما سُمو "المثليين" بالزواج الرسمي والقانوني .. فأي حديث بعد هذا يمكن ان يقال للكثرة من شاغلي المناصب والوظائف العليا في السياسة، في وجوب سلوك طريق الفضيلة في هذا العالم ؟ حيث هم انفسهم يظهرون في تعبير صريح عن تتويج كل سلوك في الواقع، بوسيلة غير سليمة لغاية غير سليمة .. " فصغار" الناس تكذب وتسرق وتزني وتقتل وتعيث فسادا، الى ذلك تعرِّض نفسها لعقاب القوانين التي سنَّها لها " الكبار " الذين يكذبون ويسرقون ويزنون ويقتلون ويعيثون فسادا، ليس فقط بمستوى فردي بل بمستوى غلوبالي كوني ،دون ان يأخذهم احد بالعقاب الذي يستحقونه ، لا على صغير جرائمهم ولا على كبيرها معظم الأحيان . فأي حديث بعد هذا يمكن ان يقال في اصلاح العالم وفي السلام وما الى ذلك .. واظنني قد أخذني تيار الحديث عن الهموم في الاسترسال الى غير ما اردت هنا - مع كل أهميته طبعا-  بكل الأحوال لا يجوز لعاقل في هذه الحياة تضييع وقته وطاقته في الركض وراء تفاهات يوليها اهمية كبرى ويضعها في الصميم من همومه واهتماماته .. من ذلك ملاحقة وهم الحظ ومتابعة مجريات مباريات كرة القدم مثلا ،لمعرفة النتائج وتمحيصها حسب التوقعات ،فكم من هؤلاء تجد يوميا واسبوعيا ينفقون مالهم ووقتهم واعصابهم وعقولهم في وهم الحظ .. وطبعا انا لا اتحدث هنا عن انفاق الوقت والطاقة والعقل والأعصاب في (شمات هوى) ، وفي رحلات مملولة ،وان كان في بعضها صحة طبعا ،لكن هناك من الناس من يكاد لا يمكث في بيته ،فهو أما في رحلة أو في تخطيط لرحلة .. فهو ظاعن في مكوث وماكث في ظعون – كما قيل قديما – ولا يعرف طعم الاستقرار .
وان أنسى فلا أنسى أصدقاء "الفيس بك " ولا اكذبنكم فقد جربت الدخول لهذا  (العالم) بضع دقائق مدى بضع أيام فقط ، فقد ظننت اني سأعرف كيف استغله لصالح نشر أفكار مفيدة ،لكني وجدتني سأنجرف في حديث غير جاد حول شتى التفاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع . فاستشعرت الخطر سريعا واعلنت في خط كتابي رسمي إغلاق باب المشاركة في هذا (العالم) لصالح أي شيء أجدى وأفضل .. فالباحث في الفيس بك ،لا يجد هناك ثقافة ولا سياسة ولا دين ولا علم ولا معرفة ولا ادبا ،إلا شحيحا، الى جانب ما يجد من كلام سخيف تافه سطحي مبتذل ،ناتج فقط عن فضول وفراغ وضجر .. ونصيحتي لهؤلاء ان يتركوا الشركة حتى تفلس ،وان ينفقوا الوقت في زيارة حية مباشرة للجيران والاصدقاء والأقارب والمعارف ، وإلا في المطالعة والرياضة والعمل المثمر ، أو حتى في العزلة وفي طلب الهدوء، يظل افضل واجدى من الخوض في عالم الفيس بك .         
والسؤال كيف يختار المرء همه ، وكيف يبرز الهم ويتشكل بهذه الصفات أو تلك في هذا الاتجاه او ذاك في وعي صاحبه ؟ لا شك انها عوامل كثيرة ،يعود بعضها لنفسه وبعضها لتأثير البيئة ، لكن في النهاية ثِقل المسؤولية الأساس يقع على الفرد نفسه ،باعتباره ليس مجرد وحدة في بنيان اجتماعي ، بل شخصية واعية ذات اراده وتفكير ،وبالتالي رأي وموقف ،قرار وخيار- أو على الأقل هكذا يجب – ومن وجهة نظري ارى ان مجرد وجود الإنسان في هذه الحياة وعلى وجه هذه الأرض هو سؤال كبير بحد ذاته ، وعلى قدر حساسية المرء وتحسسه لوجوده ولخطورة هذا الوجود ،هو لا يقنع بالعيش السطحي حتى يتطلع الى وجوده والى معنى هذا الوجود ،ليس فقط في العمر القصير،بل الى ما يتخطى ذلك ..والبعض حتى لا يكتفي بالاتكال على اعتقاد ديني موروث عن الأجيال ،بحيث يحمل له الأجوبة جاهزة لمتطلبات نفسه وعقله فيما يتعدى الحياة الأرضية العابرة السريعة الزوال ،رغم ان الأجوبة الأكثر تطلبا وعمقا تكمن في كافة الأديان ،لكن لا يتوصل اليها بالإيمان وحده ،ولا بالتفسير والشرح والتأويل .. ومن هنا ذهب البعض للتجربة العرفانية التجاوزية وللتجربة الصوفية ، ككشف وتحقق مباشر لجوهر الوجود ولدلالته النهائية . وأعتقد ان وجود الوعي والإرادة والضمير في الإنسان ،دافع كاف ومقنع كي يجعله يذهب للأبعد في سبيل البحث عن ذاته وعن معنى ذاته ،اذا توفرت  الحساسيه لهذا الطلب في ضوء المعاناة العبثية التي يراها في نفسه وفيمن حوله في هذا العالم .. وطبعا هذه النتيجة تفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة ، منها : كيف يوفق المرء بين البحث عن وجوده في العمق ، وبين صراعات الحياة المختلفة وواجباتها ،وهل يحتاج في سبيل ذلك لقوى خاصة .. ؟ وهذا يحتاج بدوره لحديث آخر انشاء الله ..
 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق