عيد الأم بقلم: دينا سليم – بريزبن
2012-03-22 23:26:29

جميع أمهات العالم أمي، وجميع أمهات العالم تذكرني بأمومتي، وجميع الثكالى أخواتي، وجميع الفرحات أنا، أذكركم بهذا اليوم الخاص، لكني لم أستطع قبلا عدم تذكر هذه الأبيات القليلة لما قاله الشاعر المغدور (لوركا) " أغلقت شرفتي، لأني لا أريد أن أسمع البكاء، إلا أن وراء الجدران الرمادية، لا يسمع شيء غير البكاء، هناك ملائكة قليلة تغني، هناك كلاب قليلة تنبح، يسقط ألف كمان في راحة يدي...."
هل آن للمرأة العربية أن تتخطى ثوب الحداد لتقف على منصة العالم المكشوف وتقول أعيدوا لي ما فقدته، ولدي، زوجي، أخي، أبي ... كرامتي وشرفي ؟
ترى؟
كيف احتفلت المرأة في سوريا؟ أكيدة أنا أنها ارتدت أفضل ما عندها من ثوب أسود، في بعض البلدان المتحضرة تحصل المرأة في يومها هذا على أجمل الهدايا، سنة بعد سنة وعطلة بعد عطلة، والحال في الشرق الأوسط قتل بعض قتل، وموت بعد موت، وقبر بعد قبر، وأتساءل، هل بقي مكان للقبور، أخشى أن تبنى القبور طوابقا، أخشى ذلك! لكني أقول للمرأة وعلى لسان فكتور هوجو :( أيتها المرأة إن صغر العالم فأنت تبقين كبيرة).
لدي أمنية: هلا استراحت المنصات والمنابر من وجوه الرجال قليلا، ولما لا تحتلها وجوه جديدة جميله حالمه مبتسمه مثل وجه المرأة التي دائما تطالب بالاستقرار وعودة الحياة إلى الأرواح الميتة، فقلب المرأة يتسع لكل حب آتٍ وحنانها يفوق كل التصورات. دعوا المنصة تحتلها المرأة يا أيها الرجال، فعصركم جلب لنا الكثير من الظلام، إننا نحلم بالنور، ألم يقل (شكسبير) أن المرأة هي كوكب يستنير به الرجل ومن غيرها يعيش الرجل في ظلام!
وهل احتفلت المرأة في العراق، ألا تزال الأمهات تقص لأطفالهن قصص الألم المستمر؟ ماذا سنقول لها، كل عام وأنت بخير، وكيف ستكون بخير وقد فقدت الأعزاء، هل نقول لها، يعيده عليك، ماذا سيُعاد عليها؟ القتل، الموت، الاقتناص، الارهاب، القمع، الذل، التهجير والخ الخ الخ من الحكايا المفزعة.
وللمرأة في مصر، هل نقول لها استعدي لارتداء المزيد وغطي وجهك واغلقي على نفسك بسدّ يشبه السدّ العالي؟ وفي تونس ماذا ينتظر المرأة هناك، وأدهش عندما تلبي المرأة مطالب الرجل بتحنيطها وهي ما تزال حية ترزق، أعتقد أننا سوف نشتهي اللون الوردي وألوان الحياة من اليوم فصاعدا، هل سوف يتوشح الكون سوادا آخر، حرام والله حرام؟
أخيرا، أرسل أحر التهاني إلى عقل الأم في يوم عيدها وأدعو له بالسلامة، فان ذهب العقل فماذا يبقى لها، فالعقل زينة!
قال أحدهم، بعض النساء العربيات تموت في الثلاثين وتُدفن في الستين، في الغرب يلغي هذا الكلام، ولا أوافق عليه!
إحدى النساء الأستراليات وجهت لنا الدعوة إلى بيتها لنشاهد مشروعها الذي أقامته بعد أن أحالت نفسها إلى التقاعد، وذلك عندما شعرت بالتعب، ولكي نحتفل بعيد الأم معا أيضا. المرأة هنا تحتفل لأجل نفسها، ويحتفل بها العالم متفاخرا بها، ومنجز صديقتي كان (عملاقا) لا يساوي أي منجز بسيط تقوم به المرأة العربية أثناء الحروب، وانتشار الجوع، ووقت الفقر، ووقت التدهور الاقتصادي، وحيث تكون معيلة لظروف معيشية سيئة تخلقها لها الظروف القاسية، فضلا عن فترات الاستقرار، فتزرع الخضروات في حديقة بيتها لكي تكسب قوت الغد لها ولأطفالها. أما صديقتي تزرع الزهور (وليس بيديها)، والمرأة في بلادي تتشقق أصابعها وتدمى.
مشروع صديقتي زراعة الزهور النادرة، في مشتل كبير خاص بها، يعمل فيه عشرات العمال وتقوم بمراقبتهم من بعيد بواسطة شاشات موصولة بشبكة الانترنيت.
وكعادتي بدأت بمقارنة الأشياء وأنا أقسو على عقلي، أرى زميلتي في الستين من عمرها، متأنقة، فخورة بنفسها، تعاني من الحيوية الزائدة، ضحوكة مبتسمة، وأنا صامتة أمامها.
همست صديقتي في أذني ورائحة عطرها ينخر أنفي فعقلي، فكما قلت سابقا العقل هو الحياة، ألحت في سؤالي عن سبب صمتي ولم أجد لها جوابا تفهمه، فمن أين أبدأ بالسرد، ماذا أقول وكيف أشرح لها، وإن بدأت في القول، فكم سنة سأبقى أبوح وأقول؟ ربما ألف سنة لن تكفيني. لم تأتِ على ذاكرتي سوى (أمجاد) الأنثى (شهرزاد) وما صنعته في عقل الرجل الذكر (شهريار) لكي تبقى على قيد الحياة، قلت في عقلي، اصمتي يا دينا، لا تبوحي بأسرار الأنثى العربية، التي كانت تحلم فقط بعش الزوجية، وكل شيء عدا ذلك عديم الجدوى، واللواتي لو أردن الآن الانتفاض ضد العبودية فلن يسمعهن أحد... فصمتُ، لكن ... لن أصمت إلى الأبد...

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق