وسارق الزهر .....!يوسف جمل
2012-01-19 16:16:07

جاء في الأمثال الشعبية :- (إن سرقت اسرق جمل)
بمعنى أنه ما دام أنك ستسرق فاخبصها واهبر هبرة بتستاهل , حتى لو تم القبض عليك فلا يحتقرك الناس والقاضي والحاكم والجلاد ويقولون سرق رغيف خبز أو قطعة حلوى أو ثمن علاج ودواء أو كساء ورداء !
لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يُفهم من نص المثل ومضمونه أنه لا ضير في أن تسرق ويُظهر السرقة بأنها أمر مشروع يمكن القيام به وحتى أنه يُوجه إلى القيام بسرقة الجمل لا أن يكتفي بالبيضة أو الدجاجة أو ما يسد رمقه وحاجته بل يشجع ويحث على الجمل بما حمل !
السرقة حرام في كل الشرائع والأديان والسارق والسارقة حكمهما قطع اليدين في الإسلام وما يطبق من هذا الحكم إلا القليل القليل . وعلى من يطبق ؟ على الفقير والمسكين والحقير والغفير وعامة الشعب . ولماذا ؟ لأنه سرق زهرة أو كسرة أو ثمرة أو بضع دنانير !!
أما سارق الحقل والأرض والوطن والجسد والروح والأحلام والأمن والأمان فلا سائل ولا مسؤول عن ماذا فعل ولماذا وكم !!
هذا السارق سرق زهرة ليضعها على قبر والده فألقى القبض عليه من سرق حياة والده وزجه في السجن على فعلته الشنيعة !
السرقة أنواع ومنها السرقة لحاجة والسرقة كعادة والسرقة كمرض نفسي يمكن علاجه والسرقة كتعبيرعن نقمة والسرقة كمهنة وعمل والسرقة لسلب الغير والإيذاء والحسد والسرقة للاستعباد في الروح والجسد والسيطرة والاحتلال والاستعمار وسلب خيرات الغير وهذا النوع أسوأها وأخطرها على البشرية والحياة .
 
اختصر الناس الحكم في السرقة بأن الحرام هو كل ما لا تستطيع أن تصل يدك إليه وبمجرد أن تتمكن منه ويقع في دائرتك ولا يراك فيه أحد فهو حلال زلال !
طبعاً يراك الله وأنت تدرك ذلك , لكنك لا تولي لذلك الأهمية , المهم أن لا يراك الناس أو المراقب أو الحارس أو الشرطي أو صاحب الأمر المسروق مع أن مالك المُلك هو الله .
والعجيب في الأمر المثل الذي يقول ( بتعرف تسرق ؟ قال نعم , بتعرف تخبي ؟ قال لا , قال لا بك ولا بسرقتك ) بمعنى أنه يجب أن تكون لديك مهارة أخرى غير خفة اليد ورسم الخطة للسرقة وتنفيذها وهي المهارة في أن لا يراك أحد وأنت تسرق وأن تستطيع إخفاء ما تسرق , وأن لا يستطيع أحد أن يثبت ذلك عليك وأن تمسح كل دليل يوصل إليك .
وكم من ماهر في هذا الزمان ؟!
يسرقون الوقت والنوم والدم ويسلبون الأرض والعرض ويحتالون ويمكرون ويسرقون الفرح والابتسامة ويطمسون العمل والأمل والعدل , وينهبون المقدرات والأعمار والشباب والأجيال يفترون وينهبون خيرات البلاد والعباد ويتحكمون بالأرزاق ويمنحون من ويمنعون من !!
يحلبون الدمع والعَرَق ويستنزفون الدم وينشرون الحزن والألم ويأكلون اللحم ويتركون العظم يرمسون البراءة والصفاء ويتنكرون للإخلاص والوفاء ويصفقون بأيديهم لأمانتهم وعهودهم البائسة والتي لو طبق شرع الإسلام فيهم لعجزوا عندها عن التصفيق !
وقد قال جبران :-
وسارق الزهر مذموم ومحتقر  وسارق الحقل يدعى الباسل الخطرُ
فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كبروا
و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ      وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ

وسئل أحد القضاة يوماً :- لماذا تعاقبون من يسرق الشيء البسيط بالعقاب الشديد ؟
أجاب القاضي وهو يتحسس ريش الدجاج على رأسه :- حتى لا يتحولون مع الزمن إلى الصنف الذي يسرق الشيء الكبير وينال كل إعجاب وتقدير !

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق