رسالة إلى ابنتي العزيزة موناليزا . هادي زاهر
2012-01-15 12:48:40

"موناليزا " لا بدو أن تقفز لوحة  الرسام الإيطالي ليونارد دافنشي  ذات النظرة التي ترمق الواقع بنظرتها الواعية.. الساخرة مما حولها.. النابعة من الشفقة على الأوضاع التي تعيشها.. لا بد أن تقفز هذه اللوحة إلى خيالنا، عندما نسمع اسم موناليزا عبده وهي شابة من شاباتنا العزيزات أنهت دراستها الثانوية في مدرسة يهودية في مدينتها حيفا ويبدو أن الأجواء هناك أخذتها إلى حيث يجب أن لا تأخذها إذ أنظمت للخدمة في الجيش وقد عادت إلى بيتها وهي فخورة بلباسها العسكري وقالت( كما جاء على لسانها في وسائل الأعلام) أنها  تشعر بالسعادة بعد أن حققت حلمها؟!!
 والدتها قالت: " ينبغي إلا نكتفي بالأخذ بل يجب أيضا أن نعطي"، بعض المواقع الالكترونية أشارت إلى انتماء موناليزا الطائفي مبرزة بأنها مسيحية؟!! زاعمة بأنها أول فتاة عربية تنظم إلى صفوف الأمن الإسرائيلي وهنا أعتقد بان هذا التركيز لا لزوم له، ثم أن موناليزا ليست أول فتاة عربية تنظم إلى الجيش، فهناك فتيات مسلمات ومنهن من وصلت درجة "لفتنل كولنيل" في سلك الشرطة وقد يقول البعض أن الشرطة مختلفة وهذا صحيح في ظروف طبيعية تكون فيها الشرطة في خدمة الشعب، ولكن من يقتل الشباب العرب في معاركنا في الدفاع عن الأرض هي الشرطة.. وما يهمنا في هذا السياق هو الانتماء الإنساني والانتماء القومي وتناقص ذلك مع الخدمة، أما إذا وجدت قلة مضللة ( وهي موجودة في كل مكان) وتعتقد بأن السلطات الإسرائيلية ستستثنيها في الاتجاه الإيجابي نظرًا لمثل هذه الخدمة نقول لها مهلًا.. تعالي ونظري إلى واقع أبناء الطائفة الدرزية.. نظري كيف (تشحشطنا)  وأضحينا في أسفل درجات السلم الاقتصادي والثقافي بعد أن صدق بعضنا وعودهم، وهنا أقول إن السلطات تعامل الأقلية العربية على ذات المسطرة؟!! ومن يخدمها  تستهتر به أكثر وتتعامل معه قبل الرقم واحد؟!! أما إذا وجد البعض ممن يصر على تميزه للأفضل فهنا وبمناسبة عيد الميلاد نذكره بقريتي "أقرث وكفربرعم" المسيحيتين التي طلبت منهم السلطات الإسرائيلية سنة ال 48 ليلة عيد الميلاد مغادره قريتهما  لمدة أسبوعين ثم منعتهم من العودة كليا وكان ردها بعد أن أجازت لهم (المحكمة العليا) العودة إلى قريتهما أن زحفت الجرافات ومسحت القريتين.
وعودة إلى الوالدة.. رائع جدًا يا خالة العطاء.. يجب أن نربي أولادنا فعلًا على هذه المفاهيم والقيم السامية، ولكن العطاء لمن؟ لمن يقتل؟ لمن يهدم.. لمن يعتدي على أهلنا في كل مكان..لمن يسجن شعبنا ويجهض نساءه على الحواجز؟ وما دام الحديث عن العطاء، لماذا لا تحرر السلطات على الأقل مستحقاتنا كاملة للسلطات المحلية؟.. لماذا تمنعنا من إقامة مناطق تطوير في قرانا؟.. لماذا تحد الخرائط الهيكلية وتمنع البناء إلا داخل القمقم الذي حددته لنا.. لماذا.. ولماذا؟؟؟
سيدتي الكريمة إن إسرائيل لا تعطي أنها تأخذ فقط، انظري كيف أخذت مياه الأراضي الضفة المحتلة وكيف شفطت المياه من لبنان وكيف حاولت أن تمنع أهالي الجولان من بناء خزانات المياه زاعمة بان الأهالي هناك يسرقون المياه الجارية إلى بحيرة طبريا؟!! انظري كيف أخذوا الغاز من مصر زمن الخائن المخلوع  بأسعار متهاودة مما فتح شهيتهم للمطالبة بحصة من مياه النيل؟!! ولله الدنيا عجايب يا خالة، إن إسرائيل "إذا منحتيها إصبعك أرادت يدك كلها"! وإذا ركبتيها على الحمار مدت يدها على الخُرج"!!  هناك منا من غُرر به وكان فعلًا " "الشمعة المحترقة" في سبيلها فماذا كانت النتيجة؟ لم  يُبقوا الأرض التي ورثتها الضحية أبًا عن جدا لأيتامه بعد أن صادروا دمه وروحه.. بالله عليك يا خالة اتخذينا نموذجا حيًا ومباشرًا ولا تدعي الأوهام تحلق بك عاليًا كما حلقت بنا وأسقطتنا من ذاك العلو لنجد أنفسنا في هاوية الهاوية، إن إسرائيل تنهش فقط ويقولونها بصراحة مطلقة "الجيل الحالي تكفيه الحدود الحالية أما الجيل القادم فهو بحاجة إلى حدود أخرى".
سيدتي الكريمة ثقي بان العطاء الذي ترينه ما هو إلا "الطعم" الذي هو على رأس الصنارة. فحذاري من هذا (العطاء) "وأسأل مجرب ولا تسأل حكيم"!
أما أنت يا ابنتي العزيزة موناليزا أقول لك:  قد ينسجم بعضنا مع الأجواء ولكن عليه أن يفكر جيدًا في انطوائه كي يستنتج الاستنتاج الصحيح.. لن أقول لك راجعي التاريخ فالموضوع ليس بحاجة على برهان، إن الجيش لا يمكن أن يُحكم سيطرته على الأراضي التي يحتلها دون أن يمارس اقسي درجات العنف الإرهاب والإجرام.. واعتقد بان ذلك يتناقض مع طبيعتك كفتاة رائعة في مقتبل العمر تفتش عن تحقيق ذاتها.. تحقيق الذات لا يمر في هذا المسار.. المسارات المدنية كثيرة يمكنك من خلالها تحقيق ذاتك.
 ابنتي العزيزة.. ضعي أمام ناظريك تلك الأم التي فقدت ابنها الوحيد برصاصة ( طائشة)..
 ضعي أمام ناظريك تلك الفتاة التي هي في مثل سنك التي كانت تحلم بإقامة أسرة لها مع من اختارت فاغتالوا لها الحلم!..
 ضعي أمام عينيك ذاك الطفل الذي أراد أن يمارس طفولته كباقي أطفال العالم بشكل طبيعي فلم يجد المكان فذهب إلى الحقل ليلعب فانفجرت به قنبلة وفقأت عينيه بعد أن زرعت طائرات الاحتلال الحقول بالقنابل الانشطارية.
ابنتي العزيزة موناليزا.. انتحلي شعور إحدى الحالات التي ذكرتها والحالات كثيرة وعندها ستستنتجين الاستنتاج الصحيح هو أنه ليس من حق شعب أن يدوس على مقدرات شعب أخر.. إن الاحتلال زرع الحسرة الأبدية في نفوس الأمهات والآباء الثكلى والأطفال الأيتام.. في نفوس صبايا فقدن الحبيب.. في نفوس كل من حوله وهو مستمر في هذا الزرع القبيح، فلا تكوني شريكة في مثل هذا الزرع من قريبا أو وبعيد.. تراجعي قبل أن تصلي إلى وضع تقولين فيه "يا ريت أقدر اصل كواعي اقرقطهن" كما يقول الكثيرون من ابناء عشيرتي اليوم.. وفقك الله في أي حقل تختارينه خارج أطار الغطرسة الظلم التسلط والعدوان وكل عام وأنت بخير.


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق