الحيوسان الحينسان يوسف جمل
2012-01-11 15:07:20

في بعض الأحيان يُخيَّل لي أن الحيوان يأنف من تشبيه الإنسان به وأنه لو ملك حولاً وقوة ولساناً وناطقة أو وسيلة يعبر بها عن نفسه لقالها بملء الفم والجوارح .
لقد خلقه الله تعالى إنساناً وجعله في أحسن تكوين وتقويم وميزه عن غيره من المخلوقات بميزات كثيرة ومنحه من الصفات العديدة وسخر له الحيوان والنبات والثروات والطبيعة والطاقة والمعرفة والعلم والعقل وغيرها الكثير .....
بيَّن له حدوده وأمره بالصلاح حتى يحظى بالفلاح وشرح له الحياة والموت  ونزع منه البقاء والخلود وأمهله إلى اليوم الموعود .
سيَّره في أن خيَّره وخيَّره في ما سيَّره له .
هكذا أراد له فماذا أراد الإنسان لنفسه ؟
لم يتخير أن يكون كالشجر يرميها الناس بالحجر فتلقي إليهم بالثمر .
لم يتخير أن يكون كالنبات ثابت في مكانه يكابد بوجه الريح حتى يصمد ويثبت حاله ويحقق الغرض الذي من أجله خلق في هذا الكون .
لم يتخير أن يكون كالنباتات التي تدافع وتقاوم ولا تندفع وتهاجم .
لم يتخير لنفسه أن يتعلم من النبتة المنح والعطاء وهو يدرك فوائدها العديدة الجمة كالثمار والخشب والورق والفحم ومقاومة الغبار وتلطيف الجو والظل .....
ولم يسأل نفسه مرة واحدة ما هي وظيفة الإنسان بل ما هي فائدته في هذا الكون ؟
وماذا تخير لنفسه ؟
تخير أن يتشبه ببعض أنواع الحيوان , كالأسد في جبروته والثعلب في مكره وغدره والذئب في حيلته والأفعى في سمه والعقرب في لدغه وبالكثير من الحيوانات التي تؤذي وتعادي وتهاجم وتفترس وتدير معركة صراع البقاء بأنانية مطلقة وبعداوة بغيضة بينها كحيوانات وبينها وبين الإنسان كعدو لا يطاق .
تخير أن يكون كالحيوانات التي تعيش في القاذورات والأوساخ كالحشرات الضارة المؤذية ورفض أن يكون كالنحلة أو كالنملة والفراشة .
ورفض لنفسه أيضاً أن يتشبه ببعض الحيوانات المسالمة الوادعة الأليفة الصبورة المتسامحة المفيدة كالقط والدجاجة والديك والماشية من الغنم والبقر وكذلك الأرنب والكلب والبط والإوز والجمل والحمار والحصان .
لم يتعلم من السمكة التي إن تركت بيئتها النظيفة فارقت الحياة وأصر على أن يتعلم من الحوت والقرش أن الكبير والقوي يأكل الصغير والضعيف الذي لا حول له ولا قوة .
ولم يتعلم من البرمائيات التي تترك البر لما يسوء الحال وتعود إلى الماء وتترك الماء عندما تحتاج إلى البر كي تغير الأجواء وتتزود بالغذاء .
غريب هو الإنسان بطبعه فهو يصر أن يتحول ويتغير في ما هو له مسيَّر ويتنازل عن ذلك بسهوله ويبدع ويتمادى في ذلك حتى يصل إلى درجة التفوق على الحيوان في الشر والسوء والجهل والوحشية وحتى ليكاد الحيوان أن يرفضها له ولنفسه ويشمئز لها وينبذها .
غريب هذا الإنسان الذي يقتل أخيه الإنسان لمكسب هزيل ومنصب زائل واحتلال غاشم وسلب ونهب وشطب وكذب وحرب وفتك وتجويع وإذلال تحت شعارات وتعليلات ما أنزل الله بها من سلطان ولا يجزع ولا يرجع ولا يردع بعاطفة أو شفقة ورحمة .
غريب هذا الإنسان الغريب ذو الطبع العجيب الذي ينجرف وراء غرائزه ونزعاته ويتحول بها إلى غرائز حيوانية ونزعات جاهلية ويوهم نفسه أنه ما زال إنساناً برغم كل ذلك فتراه يُظهر بأنه يرفق بالحيوان وهو لا يرفق بأخيه الإنسان وتجده يحرص على الطبيعة ولا يحسب أدنى حساب لمن على الأرض من البشر .
لم يأخذ من السكين إلا حده السالب ومن البحر الكريم إلا عصفه وأمواجه ومن الحيوانات إلا المفترس منها وشارك النباتات في صفة واحدة بتحوله عند الفناء إلى رماد !

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق