نظام الإجرام والمساومة محمود صالح عودة
2011-12-22 22:52:13

قبل بداية الثورة العربيّة كانت تعتبر سوريا دولة ضمن ما سمّي محور المقاومة والممانعة في المنطقة، إلى جانب إيران ولبنان وغزّة، وكان في مواجهة أولئك محور دول "الاعتدال" بقيادة نظام حسني مبارك المخلوع في مصر.

كان كثير من العرب - وكاتب هذه السطور منهم - ينظرون إلى سوريا بخلاف ما ينظرون إلى باقي الدول العربيّة نظرًا لمواقفها العلنيّة الداعمة للمقاومة في ظلّ الواقع المرير آنذاك، إلاّ أنه لم يكن هناك جدال حول طبيعة النظام البعثيّ الاستبداديّة والبوليسيّة. فكانت سوريا في نظر العرب أقلّ سوءًا من باقي الدول العربيّة، ولكنّها ظلّت مبنيّة على نفس الأسس الاستبداديّة القمعيّة.

إنطلاق الثورة في العالم العربيّ الإسلاميّ غيّر الواقع بشكل كبير، وسوريا لم تكن استثناءً، لأنّ الأسباب في سوريا موجودة، والمطالب محقّة، ولم يعد أيّ مجال للانتظار أو البحث عن الأعذار للنظام كي يقوم بإصلاحات حقيقيّة وجذريّة في بلاده، فحالة الغليان هناك بلغت ذروتها ولم يعد المواطن السوريّ يساوم على كرامته وحريّته.

ثمّة علامات استفهام كثيرة حول حقيقة "مقاومة" و"ممانعة" النظام في سوريا، وأوّلها ما يخصّ قضيّة فلسطين التي يزعم النظام أنّه من أوّل أنصارها، وهذه بعض الأسباب: 1) النظام السوريّ شارك في قتل الفلسطينيّين في الحرب الأهليّة اللبنانيّة. 2) النظام السوريّ بقيادة حافظ الأسد كان على وشك تحقيق اتفاقيّة سلام مع إسرائيل في عهد رابين، وبقيادة بشار الأسد قبل بضع سنوات بوساطة تركيّة مع الحكومة الإسرائيليّة مقابل استعادة الجولان، ممّا يعني رفع العلم الصهيوني في سماء دمشق، والسير على خطى السادات، الذي يخوّنه النظام السوريّ. 3) النظام السوريّ لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه الجولان منذ حرب أكتوبر، ولم يحرّره عندما كانت الظروف متوفّرة في الحرب، وخيّر جنوده بين الانسحاب أو الإعدام (صفقة؟). 4) النظام السوريّ "الممانع" لم يتعرّض لطائرات "عدوّه" عندما حلّقت فوق القصر الرئاسي في دمشق يوم عيد ميلاد بشّار، ولا حين قصفت مفاعل دير الزور النوويّة المزعومة. 5) أرملة عماد مغنيّة اتهمت النظام بالتورّط في قتل زوجها، وما يقوّي ادّعاءها هو عدم نشر التحقيقات حول مقتله بعدما أعلن النظام أنه سوف ينشرها، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة حول الاغتيالات المتتالية في ظلّ نظام البعث الأسديّ.

هل يدعم النظام السوريّ حزب الله وغيره ليحاربوا إسرائيل أم ليعزّز نفوذه في لبنان؟ وهل يستقبل قيادة المقاومة الفلسطينية عنده لحبّه بالمقاومة أم ليبقي لديه أوراق مساومة في اللعبة الإقليمية؟ أسئلة مشروعة في ظلّ الوقائع التي قام ويقوم بها نظام الأسد.

إنّ الوقوف إلى جانب النظام السوريّ هو وقوف إلى جانب كلّ أنظمة الاستبداد بالضرورة، فهو وقوف إلى جانب نظامي القذافي وصالح اللذان دعمهما الأسد ماديًا (دعمه المادي للقذافي في قتاله ضدّ شعبه بحاجة إلى تأكيد، ودعمه نظام صالح بـ"فنيّين" مؤكد إذ اعترف نظامه بمقتل 8 وإصابة آخرين بعدما أعلن اليمنيون عن عملية استشهادية قام بها الطيّار اليمني عبد العزيز الشامي). كما أنّ الوقوف إلى جانب الأسد يعني تبنّي الرواية النظاميّة القائلة بأنّ كلّ الثورة العربيّة الإسلاميّة عبارة عن "مؤامرة أمريكيّة - صهيونيّة"، وهو ما يعارض تقارير أجهزة استخبارات إسرائيل، التي أذهلتها الثورة العربيّة الإسلاميّة وأسقطت عملاؤها وزلزلت عرشها، وما زالت.

لسنا بصدد الدفاع عن كلّ المعارضين لنظام الأسد، فمنهم الصالح ومنهم الطالح، ومنهم الوطنيّ ومنهم دون ذلك، إنما كلّ ذلك لا ينقص من أحقّية الثورة السوريّة ومشروعيّتها، فإخفاقات وأخطاء الأشخاص لا تلغي المطالب العادلة. جدير بالذكر أنّ كلّ صوت يطالب بتدخّل عسكريّ في سوريا يتحمّل مسؤوليته النظام، الذي يخيّر شعبه بين "سرطان" سلطانه و"كيماوي" الناتو كما ذكر الكاتب فايز أبو شمالة. إنّ الموقف الغربيّ واضح ومكشوف، فالدول الغربيّة بقيادة أمريكا وقفت في العلن ضدّ كلّ الأنظمة التي تشهد بلادها الثورة، ولكنها سعت لإنقاذها بكلّ قوّة في السرّ، وحاولت وما زالت تحاول ركوب الموجة الثوريّة، وسوريا ليست استثناءً؛ إذ يدعم الغرب بعض الشخصيّات التي يرضى عنها ومنظمات المجتمع المدنيّ التي تتبع ديمقراطيّته، لكن ذلك لن يغيّر شيئًا في النتائج كما رأينا في تونس ومصر، إذ فازت هناك حركات إسلاميّة كانت تعتبرها أمريكا وحلفاؤها حتى الأمس القريب متطرّفة وراعية للإرهاب.

ثمّ إنّ الدول الغربيّة مضطرّة إلى دعم التحوّل الديمقراطيّ في العالم العربيّ وتأييد المطالب الشعبيّة ولو فقط في العلن، حتى لا تورّط نفسها في أزمة "أخلاقيّة" وسياسيّة تهزّ أركان بنيانها الأيديولوجيّ لنظام الحكم، وكي لا تظهر ازدواجيّة المعايير لديها بشكل أكبر ممّا تظهر فيه في تعاملها مع "محميّتها" إسرائيل.

إنّ أسمى أهداف المقاومة هي الحريّة والكرامة، ومن يسلبهما من شعبه لن يكون أبدًا حاضنًا لهما مع غيره. وتاريخ نظام البعث الأسديّ وممارساته الإرهابيّة باتت مكشوفة، وقتله عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوريّ في الثمانينيات، والآلاف اليوم، لا يبقي مجالاً للشك لدى أيّ عاقل وحرّ ووطنيّ شريف بأنّه نظام إجرام ومساومة، وليس نظام مقاومة وممانعة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق