كاسا شربتها " للكاتبة تغريد حبيب"بقلم الدكتور بطرس دله
2011-06-08 00:05:14

صدرت هذه المجموعه العام الماضي 2010 ولكنها لم تحظ باية تعليقات ولا حتى استعراض لمضامينها , وقد تعرفنا على المؤلفه فوجدنا انها فنانه ايضا ولديها العديد من اللوحات الملفته للنظر الى جانب حس مرهف للهمسه والحركه واللون وحتى رد الفعل الانطباعي السريع , وعلى الرغم من انها ام لابنين وابنتين الا انها تجد الوقت لتتابع دراستها للرسم خاصة التشكيلي والمعبر او الموحي لان وراء كل لوحة نرسمها تكمن خاطره او فكرة شعريه او , ثم تتبعها بقصة من نوع الشعر النثري او النثر الشعري حيث تتجلى لديها موهبه خاصه في اختيار المضامين , لذلك وجدناها ترسم بالكلمات لوحات فنيه شعريه نثريه تماما كما ترسم بالريشة بازهى الالوان , حتى ان المشاهد العادي سيقف مشدوها ازاء لوحاتها , ثم تضيف الكلام التعريفي فتزداد دهشة المشاهد كما يزداد اعجابه بما تكتب وترسم.
الرومانسيه طاغيه على هذه المجموعه:
منذ السطور الاولى تطالعك الاديبه تغريد ببعض القصص التي اخذتها من واقع الحياة , ونحن لا نبالغ اذا قلنا انها ماخوذه من واقعها , والحقبقه التي لا يختلف عليها اثنان هي ان واقع بلد الاديبه تغريد حبيب لا يختلف عن واقع قرانا العربيه الاخرى , فالمجتمع العربي الاسرائيلي له ما يميزه ولكن ليس فيه تفاوت كبير من حيث شرائح المجتمع وطبيعة الحياه الاجتماعيه القرويه .
والرومانسيه كما نعرف هي حركه ظهرت في اوربا قبل ربيع الشعوب أي في الربع الثاني من القرن التاسع عشر , وقد تاثر بها الادباء في المهجر واعضاء الرابطه القلميه المهجرون وعلى راسهم الاديب الكبير جبران خليل جبران رئيس الرابطه القلميه فكتب اول ما كتب كتابه المعروف " الاجنحه المتكسره " وختم ابداعه بكتاب "النبي" الذي شغل العالم الغربي اولا لانه وضعه باللغة الانجليزيه والعالم العربي ايضا وترك اثرا كبيرا في نفوس العديدين من الادباء العرب وغير العرب في مطلع القرن العشرين
اما اديبتنا في هذا الكتاب فتكتب برومانسيه ظاهره نثرا وشعرا تتخلل ما تكتبه بعض الفقرات الرومانسيه حيث تخاطب فيها عاطفة القراء وتتدخل في تعليقات جميله خاطفه لتصل وتحرك مشاعر جمهور قرائها ولو انهم قليلون خاصة اذا ذكرنا "ان امة اقرا لا تقرا".
ففي خاطرتها "قصتها الاولى" نجد الكثير من العواطف ازاء ابطالها مع شيء من السوداويه التي تنبض بين الكلمات وتنهي هذه القصه بالقول التالي (ص 11 ) "اصمت الى الابد " ولكن روحي ما زالت هائمه باحثه عن قلب ينبض صوت يصرخ وقلم يكتب "!
فلماذا هذا الصراخ والشعور بالالم ؟ لانها تتمتع بابراز التناقض في مشاعرها , حيث انها ادعت انها تشرب كاسها بصمت فكيف تنتقل بسرعه الى الصراخ ؟! انها بهذا الصراخ انما تحتج على ما يمارسه المجتمع تجاه ابطالها وهي تتبنى موقف وازمة كل بطل فتعيشها كما لو كانت القضيه قضيتها هي !
اما في قصتها " سامحيني حبيبتي " (ص 12 -20 ) فقد وجدت احدى بطلاتها في امراة هي جارة لها كما حاولت ان تبين وقد اكتشفت ان زوج هذه الجاره يخونها ثم اعتمدت على جعل هذه الزوجه تلاحق زوجها بحنان ومحبه كبيرين بحيث يرتفع الزوج عن خيانتها وتعود المياه الى مجاريها , انها تجعل منها امراة رائعه تعيش فوق احلامها كي تستعيد من تحب الى حضنها بالرغم من خيانته لها وقد نجحت في ذلك ! واستعادت الزوج الخائن ليخلص لها وتعيش معه ومع اولادها بعلاقات طيبه .
تنتقل بعدها الى الشعر في قصيدة "لم يكن الحب يوما خطيئه "
هنا تستيقظ روح الشاعره لتعزف بعض النغمات على اوتار قلبها لان القلب هو عرش الحب في جسدها ولكن القلب لا يهيم حبا وعشقا ما لم تستيقظ الروح اولا وينبض القلب , وتؤكد الكاتبه انه لا توجد شريعه أية شريعه تنهي عن الحب , لذلك فانها ترجو حبيب القلب ان ياخذ يدها فيضعها على صدره حيث تحس نبضات فؤاده ثم تدعوه كي يحتضنها لان الارواح لا تسمو الا بالحب عندئذ تطير مع الفراشات حيث تنزل السماء من علاها سلاما على الارض وحياة ابديه ملؤها الحب الذي لا يموت !
انها اذن تدعو للحب الحقيقي, الحب الذي ياخذها الى البعيد لدرجة نكران الذات حتى النسك
ثم تعود الكاتبه الى النثر الوجداني والرومانسي فتبدو انسانة شديدة الحساسيه تنفعل مع الحدث لدرجة البكاء وتنفعل بشكل خاص عندما تتحدث عن الامهات والاطفال بشكل جميل ياخذ القاريء معه الى شطحات لغويه فنيه فالكلمات تصدر صادقه من صميم قلبها .
فاذا ضاق بها المدى ولم تعد تحتمل المعاناة الصعبه فانها تترك القلم جانبا وتلجا الى ريشة الرسم فترسم لوحة تضع نفسها في مركزها وهي تطير الحمامات البيضاء وتقول لها:
خذيني ايتها الطيور احمليني على اجنحتك الصغيره ابعديني عن فكري وعن قلبي وعن ذاتي "
ذلك لانها تشعر بالقيود الثقيله التي يضعها المجتمع على عاتق المرأة فتلجا الى الشعر طالبة من حبيب القلب ان يفك قيدها لانه بقوته يكمل ضعفها وهي لا تستطيع وحدها مواجهة المجتمع الذكوري الكبير , لذلك تتوقع من الرجل ان يساعدها كي يعيشا كما زنابق الحقل بحريه وسعاده حقيقيتين , هكذا  تعود لترسم لوحة جديده تتخيل فيها نفسها طائرة في الهواء ولها جناحان قويان يحملانها الى البعيد وتحاول ان تقطع الحبل الفولاذي الذي ربطها بالمجتمع لان لها اجنحة تفوق بقوتها اجنحة النسور !
هذه اللوحه توحي بالكثير من القوة والانطلاق الى الحياة!
ضفاف نهر الحب على
في هذه القصيده نجد شاعره عازفه على القيثاره تحمل قلمها وريشة الرسم وتسير على ضفتي نهر الحب فتعزف له لحنا سماويا وتكتب له شعرا ثم ترسم لوحة الا انها لا تقرب من مياهه لانها تزيدها ظمأ !
رائع هذا الوصف , انه يذكرنا بقصة السيد المسيح حين بحث عن بئر ماء ليشرب فوجد هناك امراة سامريه , وكان اليهود يقاطعون السامريين مدعين انهم نجسون , وعندما طلب منها الماء ليشرب سالته كيف يطلب منها وهو يهودي وهي سامريه .. والشريعة اليهوديه لا تجيز ذلك ! ثم حكى لها كل حكايتها وماضيها فامنت انه المسيح المنتظر , عندئذ قال لها:
انتم تشربون من هذا الماء العادي وتعودون لتعطشوا من جديد , اما انا فاسقيكم ماء لا تعودون تعطشون بعد -
 انه ماء الحياة ! لان المياه التي اسقي العطاش منها هي مياه الحياة !من هنا جاء التناص الذي اوحت به القصيده بالتلميح ولكن بدون توضيح , والتناص في الشعر هام يكسب الشعر معاني بعيده المدى !
الجبرانيات الرومانسيه تغلب في كل الخواطر
قلنا فيما سبق ان شاعرتنا تتلمس الرومانسيه على طريقة جبران خليل جبران وهي لذلك تنغمس في الوجدانيات برومانسيه حالمه فتعيد الى الذاكره اسلوب جبران خليل جبران الذي اتخذ من الفلسفه الحياتيه اسلوبا مميزا لما يكتب وتبالغ الكاتبه في تقليد الاسلوب الرومانسي تماما كمن اكتشف طريقا جديده غير طريقه فاعجبه المسير عليها ولكن للحظات لانها ستعود الى الاسلوب الرومانسي القديم خاصة اذا عرفنا ان شعراءنا انما يبحثون عن الشعر الغريب , الشعر الذي يسير في كل اتجاه الشعر المنطلق الذي لا قيود عليه .
انها كما ذكرنا تقلد اسلوب جبران خليل جبران في العديد من مقالاته وقصائده وخروجه على اللغه الفصيحه والمعروفه الى لغة المهجرين مع شيء من التماهي معهم!
فعندما تكتب خاطره حول " نهاية فقير " لا تجد من ينجده سوى ذلك الرجل الذي اشفق عليه فحمله ودفنه وعندئذ فقط فطن الجميع الى ذلك الفقير الذي مروا بجانبه ولكن لم يلتفت اليه احد الا بعد وفاته لانه فقير , عندئذ فقط ادعى الجميع انهم اعطوه اكلا ومالا فانتهى الى الموت من فقره تقول :
" لقد مات بل استشهد على سبيل الدفاع عن الوطن , ولم يشهد على موته سوى قناديل السماء التي انارت دربه مرارا , وها هي ترتفع لتمشي على الدرب نحوه علّ ذلك يقلل من الحزن على ما فات !
ان الكتابه على طريقة جبران وعلى الرغم من جمال النصوص النثريه والشعر الرومانسيه كما قلنا تعود الى مطلع القرن التاسع عشر الا اننا نعيش اليوم في فترة ما بعد الحداثه وبشكل خاص فترة الميتافيزيقيا التي تلت احداث ما بعد الحربين العالميتين ! واسلوب الكتابه اليوم بلغ حدا بعيدا في الانتقال من الرومانسيه الى النظره التجريديه في الحياة والى تطعيم اللغه بمصطلحات غريبه على اهل هذه اللغه , وكنا نفضل ان هذه الاديبه تكثر من المطالعه وتكتب باسلوب ما بعد الحداثه أي 
 Post Modernsion   

بعد كل ما ذكرنا يبدو ان شاعرتنا اديبتنا  لديها هواية البحث في كل ما يقاسي منه الانسان العربي , لذلك جاءت معظم ان لم تكن كل كتاباتها مفعمه بالدراميه الحزينه ,    فهي تعيش هذا اللون الماساوي وتعيش في نفس الوقت احداث كل ماساة لذلك نجدها تكتب بحنين وبهجه خاصين بها .
فماذا مع الحياة بجمالها الطبيعي ؟ وماذا مع الوديان والمروج وماذا عن الحب الطاهر النقي وماذا عن السعاده والفرح والانطلاق الى الحياة وماذا مع الجمال والحب الذي بنشينا عندما يصل , لذلك نرجو لهذه الاديبه الشابه ا ن تظل جميله وتكتب عن الجميل في الحياة كي تكون جديره بهذه الحياة .

الصراع الداخلي
يبدو ان اديبتنا تعيش صراعا داخليا عنيفا فهي رومانتيكيه حتى الثماله كما ذكرنا وتعيش صراعا خطيرا بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح , وتدخل في نقاش بين لو واذا !
صحيح ان الجسد له حاجاته التي لا يمكن العيش بدونها ولكن الروح لها متطلباتها ايضا لانها تدعو الى الوصال مع من نحب هذا الوصال يجعل لحياتنا نكهة خاصه تفعمنا وتملانا حبا بالحياة , عندما نذوق حلاوتها
ان مثل هذا الصراع يجعلنا نعيش المعاناة الحقيقيه فنبحث عن التجدد في الحياة , لان الحب الذي لا يتجدد في كل يوم وليله ينقلب الى نوع من العباده عبادة الجسد وشهوات الجسد وهذا هو حق اجسادنا علينا .
اذن ما يجب ان نفعله هو ان نطلق شهواتنا في مهب الرياح ولننس تقاليدنا وعاداتنا الباليه التي تقيد حرياتنا وتحرمنا من متع الحياة ولنحي بعد ذلك كما يشاء لنا الهوى كي لا تظل قلوبنا متعطشة الى ما لا نهاية  ولنضع حدا لهذا الصراع لانه ينهك الجسد , ومع ذلك فان قليلا من الحرمان يؤجج في نفوسنا الكثير من الاشواق وهذه هي متعة الحياة الدنيا فالشوق يجعلنا نطيرمغمضي العيون تماما كما تبدو بطلة اللوحه التي في صفحه 79 , لانها تبدو جميله وعاطفيه ورقيقه , وفيها نرى ان طائر الحب يبسط جناحيه ليحتضنها فعليها الا تخذله , لان سفينة العمر قد ترفع اشرعتها بين لحظة واخرى ويحصل الوداع المقيت قبل تحقيق الذات!

الفكره اولا ام اللوحه ؟:
ذكرنا ان شاعرتنا فنانه رسامه الى جانب شعرها ونثرها الجميلين . وهنا يبرز السؤال : هل تبحث هذه الفنانه عن الفكره اولا ام عن اللوحه ثم تاتي الفكره ؟!
اعتقد ان الرسام الفنان عندما يبدا برسم لوحه تكون لديه فكره اساسية عما قد يرسم , ولكن من خلال العمل الفني قد يغير هذه الفكره تماما كما يحصل مع الكاتب , خاصة كاتب الروايه , لانه من خلال كتابته قد يغير فكره  اكثر من مره فيتغير هدفه مع تغير الفكره من خلال عملية السرد .
انا اومن ان حواء المرأة التي تتحدث عنها شاعرتنا كانت وستبقى لغزا عصيا على الحل , لانه مهما ادعى الرجل انه يفهم حواء تظل هناك امور كثيره خافيه عليه , وهكذا ترتفع المراه فوق النجوم ويجعل منها الرجل هيكلا مقدسا يحلو به السجود والتعبد او قد يضعها في اسفل السافلين فيغتالها ويغتال فيها الامومه متهما اياها بعدم الحفاظ على شرف العائله!
هذا التناقض في فهم المراه هو لغز البقاء وصراع البقاء وسر استمرارية الحياة !
وكاتبتنا تعتقد ان حواءها أي انوثتها لا تتمرد على الحب ولا تنكث عهود الحب وحتى لو جردها العالم من كل اثوابها والبسها ثوب الجهل والخبث والغباء فان لها الحكمة والقليل من الايمان ما يحفظ منها شيئا من كونها حواء او من بقية حواء الكامنه فيها , فهي لا تذعن لاوامر الشيطان وهي تعرف عواقب كل عمل حتى عندما اكلت من تفاحة الجنه واغرت ادم زوجها لياكل مثلها وينالان غضب الله عليهما فيطردهما من جنة عدن جنته التي وعدنا بها منذ الازل .
فهل يضمن الجميع الوصول الى الجنه في هذا العالم الفاسد ؟ فاذا كان الله قد اشفق على ادم عندما اسكنه الجنه ثم راى ان ادم بحاجة الى من يعينه في هذه الحياة بقوله : ليس حسنا ان يظل ادم لوحده , ساخلق له من ذاته عنصرا مساعدا , فانزل سباتا على ادم واخذ من صدره احدى ضلوعه وعمل منها امراة فكانت ولا تزال مؤنسة وحشته وعونه على عثرات الزمان الغدار ! اذن حواء هي الاغراء لادم وهي الشيطان الذي جعلهما يعرفان الخير من الشر اما الافعى فرمز للاغراء ايضا !
اخيرا تنهي الكاتبه خواطرها بالحديث عن زهور المحبه واهميتها في كسب ثقة الاخرين نرجو لك حياة ملؤها الحب والسعاده وزهور البهجه والحياة والى مئه وعشرين مثل بنت عشرين لك الحياة ايتها الصديقه .

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق