كوّة نورٍ كانت هناك الشاعرة العبرية داليا رافيكوفيتش
2011-05-01 23:58:26

كوّة نورٍ كانت هناك الشاعرة العبرية داليا رافيكوفيتش

ترجمة وتقديم أنوار سرحان.

لم تكن داليا رافيكوفيتش شاعرةً مميّزةً ببساطتها وعمقها، فحسب، إلا أنّها تميّزت كصوتٍ إنسانيٍّ متجاوزٍ للانتماءات الضيّقةٍ ساعٍ للتسامي نحو الإنسانية الأعلى. ومن هنا جاء تماهيها مع الوجع الفلسطينيّ ، بما أثار ردودَ فعلٍ مختلفة في أوساط المثقفين الإسرائيليين، وبشكلٍ خاصّ بعد أن نشرت تقمّصاً لحوارٍ داخليّ (مونولوج)، لشابّ فلسطينيّ في طريقه إلى تفجير حافلةٍ إسرائيليّة، بما اعتبره البعضُ تشجيعاً للعمليات التفجيرية. غير أنّ داليا لم تبرز إنسانيّتها في كتاباتها السياسية وحسبُ، إنّما بنبرة الرومنسية والحزن التي تسرّبت من أشعارها، وحتى الكآبة لحال هذا العالم (كما تجلّت في قصيدة الثوب)، كما لا يمكن تجاهل الصوت النسويّ الذي انبعث من إنتاجها بصدقٍ وعفويةٍ ونفاذ عميق لنفس المتلقّي (وبشكلٍ خاصّ في قصيدتها لابنها عيدو).

وليس الهدف من هذه السطور الترويجَ لداليا رافيكوفيتش، إنما هي كوةٌ نطلّ بها على صوتٍ حقيقيّ تماهى مع وجع الآخر ولم ينحسر في انتماءاتٍ أريدَ له أن ينحسر فيها كما الكثيرون من أبناء شعبه..

فيما يلي نماذج من أشعارها وهي جزءٌ من مشروع ترجمة  من الأدب العبريّ، ترجمة وتقديم أنوار سرحان . 
 

STONES
 
Stones ...يعني حجارة.
?stones لماذا قلتَ 
?stones لماذا رميتَ  
لِمَ أيها الطفل أنت هنا واقف ؟
?stones لِمَ ترمي على الجنود 
كيف تبدو غير خائف؟
لِم لا تقلق لغدك... ولا تخشى القادم من أيامك ؟
?stones لماذا قلت 
هي كلّ ما في بالك؟؟ stones لماذا 
بل ويديك؟؟
ومن أين تأتيك كل هذي الخفة في قدميك؟؟
 
 
?stones ما الذي تعنيه أصلا ب
stones للتو قلنا
طفلٌ في السابعة ،
العاشرة
التاسعة
الثانية عشرة
stones كلّهم يُلقون 
 
في جبهةٍ يصطفّون
إذ من بين الأزقّة يطلّون.
بأيدٍ ممتلئة..
وأجسادٍ مرحةٍ منطلقة.
!stones لا يشغل أذهانهم شيءٌ سوى ال 
وتكون فرحتهم عظيمة! 
ربّما بالهرب أيضا يفوزون
و كجراداتٍ بين ثغورٍ خفيّةٍ يفرّون..
ويكون يومهم "الله أكبر"
stones يومًا من ال 
 
وما بين توقيفٍ أو اعتقال
ربّما أيضا ضربةٌ من هراوةٍ تأتيهم
و بجرحٍ في الرأس يصابون
ربما تُكسَّر أياديهم
كلّ الاحتمالات لديهم واردة.
, stones, stones , stones
أطفال أطفال أطفال أطفال
 
عودوا إلى البيت يا أطفال
كيف ستحيون هكذا؟؟؟
دون بعضٍ من سكون؟؟

 
الرضيع لا يُقتل مرتين
 
إلى البِرك المراقة.. في صبرا وشاتيلا
حيث نقلتم كمياتٍ من البشر
-كانت تستحقّ الاحترام-
من العالم الحي.. إلى العالم الحق..
 
******
 
ليلةً إثر ليلة :
بدايةً.. رصاصاتهم أطلقوا
ثم الضحايا علّقوا
وأخيرا...
ذبحوا بالسكاكين.
نساءٌ مذهولات.. ظهرن مستنجدات
من فوق التلال المعفّرة
"إنهم يذبحوننا هناك..
في شاتيلا !
*****
 
طرف هلالٍ صغيرٍ تعلّق في فضاء المخيمات
وجنودنا بالنيران .. أضاءوا تلك السماوات ...
 
"إلى مخيم مارش!! عودوا ".. أمر الجندي
النساءَ المستصرخات..من صبرا وشاتيلا
فلديه أوامر لا بد أن يؤديها..
والأطفال .... قد ألقوا هناك
...إلى برك القاذورات
فاغرة أفواههم... ساكنين.. 
لن يمسّهم أحدٌ بسوء
فالرضيع.. لا يُقتل مرتين!
 
وطرف الهلال اتّسع وامتلأ
غدا بدرًا ذهبيًا واكتمل
 
*******
أما جنودنا الأعزاء.
فلم تكن لأنفسهم غايةٌ ترام
سوى رغبةٍ جبارة
أن يعودوا إلى البيت بسلام

المونولوج الذي أثار روداً معارضة في أوساط الإسرائيليين بما اعتبروه تماهياً لداليا مع العمليات التفجيرية، وهو تقمّص لحوارٍ داخليّ لشابّ فلسطينيّ في طريقه لتفجير حافلةٍ إسرائيليّة*:

تخبرني الساعة بأن لديّ أقلّ من أربعٍ وعشرين ساعة

لكن هذا لاشيء

أعرف أني سأنام نوماً هادئاً

وإن لم أستطع أن أغفو فلن أغفو

صباحاً سأخرج من بيتي باحثاً عن محطة مريحة

لا يهّمني إن كانت في الشمس أو في الظل

ستأتي الحافلات تباعاً ، و نفسي أصلاً قاتمةٌ

مالي وما للشمس والظلّ

كان عليّ أن أبتسم لو فكرتُ كم أبدو كشابّ يهوديّ أنهى خدمته العسكرية

لكن لن تعلوَ ملامحي أيةُ ابتسامة

صباحاً ربّما أحضّر لنفسي قهوةً

فيما الصلاة ستلهمني حياةً أكثر من أيّ طعام.. حياةً لائقةً أعني

لا أفكر حتى في جنة عدن ..

حيث يهبط الله من علياء عرشه ، ليداعبَ رأسَ الشهيد الجديد القادم..

إن كان ثمة ما يترقرق في عروقي

ويعدّل بدقّةٍ نبضاتِ قلبي.. إنما هو يقيني

أنني غداً..وقبل العاشرة صباحاً..

سأمحو الإذلال.. فلا يعود أبداً.

الحزام بحقيبة ظهري غالٍ عليّ كما القرآن المقدس.

إني أقترب من الكينونة

ملاحظة: هذا المونولوج لم أعثر عليه في كتاب، إنما في بعض المواقع والمجلات،وكانت هذه هي أكمل الصيغ التي وجدتها.

 
And sympathy is all we need, my friend 
 
 
سأخبرك بالأفضل أيها الإنسان 
 
وبما يطلب منك الله 
 
دع المعبود في معبده 
 
كفانا كلاماًً 
 
سأخبرك بالأفضل أيها الإنسان

 
إنك ملزمٌ بالتفرّغ 
 
وما معنى ملزم؟؟؟ 
 
ملزم. 
 
ها هنا عن يمينك إنسان 
 
ما زال صبيًا 
 
يواجه صعوباتٍ في لقمة العيش 
 
وأخرى في الهوية 
 
في الليل يختنق 
 
من الخوف والقلق 
 
لا من ضيقٍ في التنفس 
 
كم يعانون في الحاجة إلى صداقةٍ.. 
 
تلتزم قليلاً.. 
 
هؤلاء الفتية بوجوههم القاسية 
 
وكم هم نِحافٌ أيضاً 
 
لو كنتُ أمّهم 
 
لكنتُ بلا شكٍ..امرأةً كئيبة. 
 
ماذا يمكن أن نقول؟ 
 
الكلّ متعطشون للحبّ 
 
وهذا أمرٌ مهين 
 
وهي أيضًا لحظة ضعف 
 
لكنّي أملك الجرأة لأقول 
 
الكلّ متعطّشون للحبّ 
 
ومن لم يملأ كأس ماءٍ للعطشان 
 
نهايته أن يبتلع فراغ فمه 
 
حتى آخر أيامه
 

أكسجين… 
 
(قصيدة داليا إلى ابنها عيدو)

 
 
عنكبوتاً على جدران بيتك "عيدو" 
 
أريد أن أكون 
 
ورقةَ خنشارٍ من النباتات في الإصّيص.. 
 
أقصوصةَ ورقٍ 
 
شرشفَ طاولةٍ 
 
منفضةً.. 
 
دفترَ يوميّاتٍ أو رسم
 
كلّ أولاء يرافقونك كلّ يوم 
 
يرَونك وينضمّون إلى فضاء رؤيتك 
 
لا داعي للبحث عن ردودٍ عاطفيّة 
 
أريد أن أكون جزءًا من بيئتك الحسّيّة

ملقاةً .. لا أُرى 
 
مضمومةً بعبثيةٍ إلى داخل فضاءٍ 
 
فيه أنت تشهق ، تزفر ، تشهق ، تزفر 
 
أكسجيناً...

لا نتحدّث عن الحبّ ، عيدو 
 
أريد أن أكون دهاناً للجدران

عتبةَ شبّاكٍ أو جارورَ جوارب
 
في غرفةٍ 
 
تستوعب تبديلَ حاجاتك 
 
ثماني ساعاتٍ كلّ ليلة

الثوب

تعرفين، قالت، حاكوا لك ثوباً من نار 
أتذكرين كيف احترقت زوجة ياسون بثيابها؟ 
إنها ميديا، قالت، كلَّ شيء فعلَت لها ميديا 
ينبغي لكِ أن تكوني حذرةً ، قالت 
حاكوا لكِ ثوباً يُنذر كما الرماد، 
يشتعل كما الجمر.

سترتدينه؟، قالت، سترتدينه. 
هذه ليست ريحاً تصفر.. هذا ليس سمّاً يرشح 
حتى أنتِ لستِ أميرة، ماذا ستفعلين لميديا؟ 
ينبغي عليكِ ان تميّزي بين الأصوات، قالت 
إنها ليست الريح تصفر.

هل تذكرين، قلتُ لها، يوم كنتُ في السادسة؟؟ 
غسلوا رأسي بالشامبو وخرجت هكذا إلى الشارع 
رائحة الغسل تبعتني كما غيمة 
بعدها مرضتُ من الريح ومن المطر 
لم أكن قد خبرت بعدُ قراءةَ التراجيدا اليونانية

إلا أن رائحة العطر انتشرت ومرضتُ كثيرا 
الآن أفهم أنه عطرٌ غير طبيعي

ماذا عنكِ ، قالت، حاكوا لك ثوباً يشتعل 
حاكوا لي ثوباً يشتعل، قلتُ، أعرف 
فلمَ إذن تقفين، قالت، عليكِ أن تحذري 
ألا تدركين ما يعنيه ثوبٌ مشتعل؟

أعرف ، قلتُ، لكن ليس الحذر. 
رائحة ذاك العطر تربك وعيي 
قلت لها: لا أحد ملزم ٌ أن يوافقني 
إنني لا أثق بالتراجيديا اليونانية

لكن الثوبُ، قالت، الثوبُ يشتعل ناراً 
ماذا تقولين، صرختُ، ماذا تقولين؟ 
ليس ثمة ثوبٌ عليّ أبدا.. هذه أنا التي أشتعل

**ميديا: إشارة إلى الاسطورة اليونانية ، وانتقام ميديا لغيرتها من هجر ياسون لها وزواجه من أخرى فخاطت لها فستاناً ما أن لبسته حتى احترقت فيه (أسطورة سفينة ملاحي آرجوس)- وفي شهادةٍ لإحدى صديقات داليا ادّعت أنها كانت ترى شبهاً بين أمها وبين ميديا التي قتلت ابنيها انتقاماً من زوجها ياسون

 

1936-2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق