بالروح بالدم نفديك يا محمد ! قصّة بقلم سعيد نفّاع
2010-07-02 13:08:39

بالروح...بالدم...نفديك... يا محمّد !

بالروح...

بالدم...

نفديك...

يا خالد !!!

كانت عيون محمد أضيق من طبيعتها لارتخاء أو اشتداد في عضلاتها، والحَمار يغزو بياضها سابيا بنات سوادها، وأشباه دموع تترقرق في مآقيه لا بداية بكاء ولا من بقايا بكاء، فللدموع مهمات أخرى غير بكاء الفرح وغير بكاء الأسى، وترقرقها الآن لا لهذا ولا لذاك وإنما تضامنا مع عضلات جسم رفعت شعار تعبها طيّاتُ جفونِه وتضامنا مع وسادة اشتاقت لأهلها.

هذا الانفجار الهُتافيّ "المابعدَ" نصفِ ليليّ و"الماقبلَ" ابيضاض شفقيّ لم يفاجىء "محمّد"، ولكنه لم يطلّ من الشباك ملوحا بيديه القابضة راحةُ الواحدة على الأخرى، للجماعة الهاتفة المقدمة أرواحها ودماءها فداء له كما العادة التي انجرّ وراءها مؤخرا في أوقات تخلٍّ مقلّدا أحد الزعماء العرب. ورغم ذلك لم يوقف عدم ُ طلّته هتاف الجماعة وهي الآتية خصيصا لتعيد تأكيد استعدادها للفداء بالروح وبالدم الذي كان بالأمس كرمال النصر ولكنه اليوم رغم فقدان النصر.

هل لهذا الهتاف معنى ؟!

وهل له في الأصل معنى؟!

وهل كان له معنى خلال الأشهر الأخيرة وفي كل مهرجان وفي كل جولة ؟!

هل فدى جنود صدّام الذين خرجوا لملاقاته مقبلين أياديه هاتفين "بالروح بالدم نفديك يا صدّام"، يوم زار خنادقهم على حدود الكويت في مواجهة "الاستعمار"، هل فدوه بأرواحهم ودمائهم ؟!

وهل فداه ضباطُه الذين وقفوا على أرجلهم هاتفين "بالروح بالدم نفديك يل صدّام" يوم أعلنها أمَّ المعارك ؟!

كل هذه الأسئلة تزاحمت على وفي رأس "محمّد" وهو جليسُ أريكته دون أن يطلّ ليلوّح بيديه للهاتفين ما بعد انتصاف الليل وما قبل ابيضاض الشفق. تزاحمت هذه الأسئلة تخالط نقاشا كان مضى عليه زمن، و"الجزيرة" تنقل ب-"الأكسلوسيف"  تقبيلَ أيادي صدّام "على يد" شفاه جنوده الهاتفين الخارجين من خنادق مواجهة "الاستعمار" وكان دار حول السؤال: لماذا ليس "بالروح بالدم نفديك يا عراق؟!".

وحتما أن جماهير شعبنا خرجت يوم ال-29 من تشرين الثاني 1947 يوم أعلنت الأمم المتحدة قيام إسرائيل إلى شوارع يافا تهتف، "بالروح بالدم نفديك يا حاج أمين!". خصوصا وقد خرجت جماهيرُ اليهود ترقص في ساحات تل أبيب وتغني "عام يسرائيل حاي...دافيد ميلِخ يسرائيل – شعب إسرائيل حيّ...داوود ملك إسرائيل!" إشارة إلى دافيد بن غوريون.

راح صدّام وراحت العراق، وراح قبله الحاج وراحت قبل العراق فلسطين فهل ستروح بلدنا هذه المِن بقايا فلسطين؟!  

وراح يتساءل لماذا ليس "بالروح بالدم نفديك يا بلدنا؟!"، وظلّ هذا التساؤل يطِنُّ مترددا في أذنيه وهو مستلقيا على الأريكة حيث هو دون أن يخرج لملاقاة الهتّافين الذين لم يعد يسمعهم من علوّ طنين "بالروح بالدم نفديك يا بلدنا" على طبلتي أذنيه، والذي على ما يبدو خالط ارتخاء العضلات التي عانى من اشتدادها كثيرا خلال أشهر طويلة مضت في ما اعتقده في سبيل فداء "بلدنا"... فغفا.

أيقظته من غفوته ولم يبيضّ الشفق بعد، روحُ أحد أبناء عمومته الحائمة في الأجواء فوق بيتها المحمول على أياد يردّد أصحابُها والدماء تسيل من أنحاء مختلفة من أجسادهم راسمة عليها لوحات سرياليّة: "بالروح بالدم نفديك يا شهيد!". وقد "استشهد" في الحارة الغربيّة فداء ل- "محمّد"، تاركا بعض دمائه على تراب أزقتها وحجارتها مختلطا بدماء أبناء عمومته وخؤولته وبدماء أبناء عمومة وأبناء خؤولة "خالد" الفائز في انتخابات المجلس المحليّ.

صمت الموكب وكلُّ من حوله، حتى النساء كبتن النحيب في الحناجر إذ رأوْه خارجا منفوش الشعر معكّر الوجه، وسُمع من بين الصمت الصارخ ومن خلال اصفرار الشفق الباهت هتاف آت من الحارة الغربيّة: "بالروح بالدم نفديك يا خالد!" "بالروح بالدم نفديك يا شهيد!".

بعد صلاة الظهر رأى الناس "محمد" و"خالد" يخرجان من الجامع قبل ظهور النعشين متكاتفين وهتفت جموع المشيّعين: "الله وأكبر... بالروح بالدم نفديك يا بلدنا !"، وحانت منهما التفاتة إلى الجموع الهاتفة وشوهدا يتهامسان باسمان رغم هول الموقف.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق