سيدنا آليا النبي -ع- ومعجزة المحرقة في الكرمل بقلم الشيخ منير فرو
2010-05-14 16:13:48

إعداد منير فرّو

 

سيدنا آليا النبي او الياهو  كما يسميه اليهود او إيليا أو إلياس أو ما الياس او مارجرجس او مار جريس او جاورجيوس كما يسميه النصارى او الخضر ابو العباس والعبد صالح كما يسميه المسلمون  والدروز، اشتهر بالتعبد والتجوال في ارض الله الواسعة يدعو الناس الى الايمان وتوحيد الخالق ولذلك له في كثير من الاماكن مقامات ومزارات واديرة.

 

 عاش في عهد آحاب ملك اسرائيل. وكان في صراع دائم معه ومع الملكة ايزابيل العنيدة، المستبدة، ابنة ايتوبعال ملك صور وصيدا. منذ زواجها وانتقالها الى قصر آحاب ملك اسرائيل (874 – 853) نقلت الاميرة معها الى فلسطين عبادتها والاصنام. المتعبدون للاله الواحد كانوا يطاردون ويضطهدون، بينما توطد الملكة ايزابيل عبادة الالهة الغريبة في قلب العاصمة اورشليم.

 

 

وبعدما شهرته غيرته النارية على عبادة الاله الواحد، احيا ايليا حركة تجدد ديني روحي في الاراضي المقدسة. ولكي يحافظ على نشاطه وقواه – وهو الناسك المتقشف – فيستطيع مجابهة الملك آحاب والملكة العاتية المتجبرة، ارسل الله له غرابا يأتيه يوميا، صباحا ومساء بخبز ولحم.

 

نبوءة مار الياس الاولى قوامها اعلان رسمي امام الملك آحاب بالجفاف الشامل في بلاده قصاصا وتحذيرا بسبب عبادته للأوثان. ثم اختفى النبي في مسقطه، شرق الاردن، هربا من غضب آحاب. وانتقل الى منسك في صرفت صيدون: حيث كانت امرأة ارملة تقدم له الغذاء. قامت تلك الارملة بواجب الضيافة على اكمل وجه فتحققت لمنفعتها نبوءة له شهيرة: "جردة الدقيق لم تفرغ وقارورة الزيت لم تنقص في بيتها" (3 ملوك، ف 17).

 

وعندما جفت ارض المملكة وبكى الشعب كثيرا متضرعا الى الله طالبا العون والمدد، ودفن عدد كبير من الاموات جوعا وعطشا، قال الله للنبي، في السنة الثالثة للجفاف: "امض وأر نفسك لآحاب فآتي بمطر على وجه الارض"، فمضى ايليا ليري نفسه لآحاب (3 مل، 18/1-2).

 

وعند اللقاء بادر آحاب النبي قائلا: "أأنت ايليا معكر صفو اسرائيل؟" فقال له: "لم اعكر صفو اسرائيل انا، بل انت وبيت ابيك بترككم وصايا الرب وسيركم وراء البعل. والآن ارسل واجمع اسرائيل كله الى جبل الكرمل، وانبياء البعل الاربع مئة والخمسين، وانبياء عشتروت الاربع مئة الذين يأكلون على مائدة ايزابيل". قبِلَ آحاب التحدي وهو يفكر: "ماذا يستطيع هذا المتشرد ضد شعبنا وبعال وعشتروت وانبيائهم؟".

 

دعا آحاب الشعب الى لقاء مع ايليا، على جبل الكرمل. فبادر ايليا المجتمعين هناك قائلا: "ان كان الرب هو الاله فاتبعوه، وان كان البعل اياه فاتبعوه". فلم يجبه الشعب بكلمة. فأكمل قائلا: "انا الآن وحدي بقيت نبيا للرب، وهؤلاء انبياء البعل اربع مئة وخسمون رجلا. فليؤتَ لنا بثورين، فيختاروا لهم ثورا، ثم يعطعوه ويجعلوه على الحطب ولا يضعوا نارا، وانا اعد الثور الآخر واجعله على الحطب ولا اضع نارا. ثم تدعون انتم باسم آلهتكم وانا ادعو باسم الرب، والاله الذي يجيب بنار فهو الاله" (3 مل 18/22-24).

 

لا يقتصر الامر اذا على معرفة اي من الرب الاله او من البعل هو الاقدر، بل اي منهما هو الله على الاطلاق. لم يترك ايليا اي مجال للشك في ان الايمان بالاله الواحد هو رهان هذا التحدي. هيأ انبياء البعل وعشتروت المذبح والذبيحة ودعوا باسم البعل من الصبح الى الظهر وهم ينادون ثم يصرخون "ايها البعل اجبنا" فلم يكن من مجيب ولا مصغ. وكان ايليا يسخر منهم ومن الههم...

 

بعد فشل انبياء البعل، رمم ايليا المذبح، وضع عليه الذبيحة وصب فوقها ماء ودعى باسم الرب قائلا: "استجبني يا رب، استجبني، ليعلم هذا الشعب انك ايها الرب انت الاله...". فهبطت نار "واكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب، حتى لحست الماء الذي كان في القناة". فصرخ الشعب: "الرب هو الاله، الرب هو الاله". فقال لهم ايليا: "اقبضوا على انبياء البعل ولا يفلت منهم احد". فقبضوا عليهم، فانزلهم ايليا الى نهر قيشون وذبحهم هناك (3 مل 18/38 – 40). كانت ابادة الاعداء العادة المتبعة، وفق الاعراف والممارسات البدائية القاسية، في القرن التاسع ق. م. وكانوا يأمرون بإبادة الآلهة الكذبة مع الانبياء في آن. وسمى النهر القريب من يومها بنهر المقطع نسبة للرؤوس التي قطعت وبعد سنوات اقيم دير المحرقة وفي ساحته ينتصب تمثال يحمل المعجزة حيث يشاهد النبي ايليا يدوس على رقبة احد الكهنة ويحمل رأسا ويشهر السيف في الهواء . 

 

في ذلك المساء، بعد العودة من جبل الكرمل، اسودت السماء بالغيوم وهبت الرياح وهطل مطر غزير. خضع الملك آحاب، على مضض، للأمر الواقع. اما الملكة ايزابيل فلم تخضع. اضطهادها للنبي تجدد بأكثر حدة. واندفاع من جديد كان على ايليا ان يفتش له في الصحراء على مخبأ. فاتجه الى بئر سبع ودخل بعيدا في صحراء مملكة يهوذا. وبعدما جاع وتعب كثيرا نام تحت شجرة. فأرسل الله له ملاكا ايقظه وقال: "قم فكل، فان الطريق بعيدة امامك" الى جبل الله حوريب (سيناء) فنظر فاذا عند رأسه رغيف مخبوز على الجمر وجرة ماء. فأكل ثم اكمل مسيرته. وجرت قصته مع النبي موسى عليهما السلام  والتي وردت في القرآن في سورة الكهف وكان يدعا العبد الصالح  علمه الله علم الباطن اي التاويل.

 

السؤال الاهم هو: الى اين انتقل ايليا النبي؟ وهل هو حي، كما يزعم الكثير من اهل الديانات ؟ وهل سوف يأتي في آخر الازمنة ليعد طريق المسيح الآتي مرة ثانية الى الارض؟ كثيرون يستندون الى سفر ملاخي حيث نقرأ: هاءنذا ارسل اليكم ايليا النبي قبل ان يأتي الرب العظيم الرهيب... (ملا 3/23).

 

هذه العودة المشار اليها هنا ستبقى من اختصاص النظرية اليهودية للأزمنة الاخيرة. اما يسوع فشرح هذا الموضوع بقوله ان ايليا عاد في شخص يوحنا المعمدان: "فجميع الانبياء تنبّأوا... حتى يوحنا. فان شئتم ان تفهموا، فهو ايليا المنتظر رجوعه. من كان له اذنان فليسمع" (مت 11/13 – 15). اذا جاء يوحنا السابق ليتم زمن العهد القديم. كان خلفا لآخر الانبياء، ملاخي، وحقق النبوءة الاخيرة: "هاءنذا ارسل اليكم ايليا النبي".

 

وفي موضع آخر من انجيل متى يقول يسوع ايضا عن يوحنا المعمدان: "ولكن اقول لكم ان ايليا قد اتى، فلم يعرفوه، بل صنعوا به كل ما ارادوا. وكذلك ابن الانسان سيعاني منهم الآلام" (مت 17/12).

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق