سَرَحتِ شويّ بِهال مسرح بقلم: فؤاد سليمان
2009-10-22 00:21:15

بحسب العالِم النفسي "جوفمان"، يُمكن تخيّل "رؤية الذات"، أي كيف يرى الإنسان نفسه، كحالة يُراقب الإنسان فيها ذاته وكأنه ممثل يقف على خشبة مسرح. شخصيّة المرء، بحسب "جوفمان"، تمثل دورًا ما في مسرحية لم تكتب نهايتها بعد. أحيانًا يبدو لي أن هذا التشبيه هو تشبيه دقيق، فعالم المسرح والسينما يُمكّناننا من أن نرى الواقع بأعين ناقدة ومن زوايا نظر مختلفة. حين يُدرِّسون عن الفن، والمسرح من ضمنه، يقولون أنه يُمكّن المبدع من التغلب على الموت نفسه، فتخليد عمل ما، فيه مشاعر المبدع وتخيّلاته، يمكّنه من التغلب، بصورة رمزية، على موته وفنائه.

أريد أن أدع جانبًا هذه التأملات الفكريّة وأن أتطرق إلى مسرح "الميدان" الحيفاويّ وإلى الأزمة التي يمر بها. فقد لفتت انتباهي مؤخرًا مقالات عن صراع البقاء الذي يمر به هذا المسرح. ربما تكون الإشاعات عن كونه يمر بمشاكل مادية وإدارية صحيحة، وربما يكون فيها بعض المبالغة، لست أدري! لكن الأمر الذي لا شك فيه هو أن التأفّف من مسرحنا قد بدأ في الآونة الأخيرة يزداد، حتّى صار بمثابة ظاهرة شائعة لدى الكثير من الفنانين والجمهور. لقد صادف مؤخرًا أن التقيت بشخص عمل منذ زمن قريب في مسرح الميدان، وقد قال لي ما معناه أن أحد علل هذا المسرح يتمثّل بظاهرة الـ"شللية" وانعدام الموضوعية والمهنية. مشكلة أخرى، يدّعي آخرون أنها وراء الأزمة الحاليّة، تكمن في توزيع الميزانيّة، المحدودة أساسًا، على المشاريع المختلفة، بشكل غير مدروس، وأنه حالما يتوفر للمسرح مبلغ من المال، يسارع المسئولون فيه إلى إقامة المشاريع "على اليمين وعلى الشمال"، وذلك من دون تخطيط ولا حساب للتكاليف. علاوة على كل هذا، توجد مشكلة لا ذنب لأحد فيها وهي أن جمهور المسرح لا يزال محدودًا للغاية، فنحن نرى نفس الوجوه تأتي لحضور كافّة المسرحيات.

لي تجربة شخصيّة مع مسرح الميدان بدأت حين اقترح مسرح الجوال السخنينيّ مسرحية لي بعنوان "مؤنس"، كمرشحة للاشتراك في مهرجان المسرحية المحلية الذي جرى في إطار مسرح الميدان وتحت إشرافه. وقد قُبلت المسرحية وعُرضت في الميدان. يومها ذهبت مع عائلتي لمشاهدة المسرحية وأحسست بالإنجاز الفني حتى النهاية. أنا متأكد من أن الكثير من الفنانين الشباب تمتعوا مثلي بالفرص التي أتيحت هم وقالوا ما لديهم من خلال إبداعاتهم وأحسّوا بالإنجاز، نعم هذا الإحساس بالتأثير والعطاء والتقدير. إن دور مسرح الميدان في إتاحة هذه الفرص هام، لذا يجب علينا أن نعتني به وأن لا نتركه يتراجع، وذلك لكي يستمر في أداء دوره في دعم الإنتاج المحلي وإعطاء الفرص للمبدعين المبتدئين. ومثلما تقول الأغنية الشهيرة "We are the World": "نحن العالم، نحن الأطفال، نحن اللذين يجب أن نصنع عالمًا أفضل، فهيّا نعيش"، فإن لم تكرّس جهود مسارحنا من أجل مبدعينا الأطفال في روحهم، فما الجدوى من الثقافة وما يميزنا عن غيرنا؟!.

أذكر أنه بعد نهاية عرض مسرحيتي "مؤنس"، خرجت إلى ساحة مسرح الميدان وأشعلت سيجارة وقلت لنفسي: "والله سَرَحتِ شويّ بِهالمسرح".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق