من يصنع الفجر ويوقظ الشموس من نومها ؟
2009-08-17 00:41:10

الشـــيخ خالد أحمد مهنّا رئيـــس الدائرة الإعلامية في الحركة الإســــــلامية

كثيرون ممن أصابهم الفتور وانطفأت في نفوسهم جذوة الأمل إنكفأوا في صوامعهم وراحوا يضربون الأخماس بالأسداس... وتركوا الساحة والميدان والركوب...
فيهذا الزمن الضائع, والموعوك والمعتل والملتوي تركوا أعمالهم, وأطفالهم, وألغوا كل ارتباط لهم مع الزمن, آثروا الارتباط مع العزلة والانكفاء علىالذات
.
معللين ذلك أنهم آثروا السلامة, ولزموا حلس بيوتهم بعد أن انتصرت الرذيلة على الضلالوبعد أن عمّ الفساد وطمّ, وسادت المنكرات
.
قاللي أحدهم قبل أيام:" لم ترهق نفسك بالعمل والتدوين والخربشة, فيما لن يجديكل ذلك نفعاً, لا فائدة... فكل جهد مبذول مجرد عبثية, ولو عرفت الزهرةمصيرها بعد أن تقطف عن غصنها, والشجرة ما مصيرها بعد سنين من الخدمةالمجانية, والنحلة الشغّالة بعد أن تكل أجنحتها ويضعف بصرها, والكلب عندمايفقد فراسته, وحاستة الشمّ لديه ويشيخ, والجندي تهترأ يداه ويحدودبظهره
....
لو عرف جميع الباذلين ما ينتظرهم على الشاطئ الآخر ما صعدصياد الى مركب ولما ذهب تلميذ الى مدرسةِ وكتاتيب, أو فلاح الى بيدره أوحقله وبستانه, أو عاملِ إلى مصنع, أو جندي إلى سرية ومعركة
...

 

وطن ناكله يهذي, حدوده مكهربة, جباله... كهوفه, شوارعه,أرصفته, سماؤه, حدائقه, شواطئه, مدارسه, طلابه أستاذيته, أوسمته, أشجاره, طيوره, غباره, دخانه, مساجده, كنائسه, أطفاله, نساؤه... شيوخه
كل ما تعهّد به الغجريون كان سراباً... فلم الجهد والتعب والنصب وكله طواحين هواء نقش على الماء ؟...
بقلبيملؤه الحسرة وبعيون باكية, إنطلق يهذي كما يهذي الوطن, ويوسوس كالمجنون, ويهلوس كالمعتوه, وهذر قائلاً:" الوطن الذي تدّعون أنكم تحرسونه بعيونكم, وأهدابكم, ورموش عيونكم, وتسهرون فوق رأسه صباح مساء على ثغوره, وترابطونفي أرجائه, لا يستحق أن تُبذل من أجله قطرة عرق واحدة, فكيف والعرق الذييسيل من الجباه, يلجمنا إلجاماً ؟
"
إنه وطنٌ عاق... مزيّف
...
***
لقد كان الوطن منذ 35 عاماً مصدوراً فعالجنا ذبحة صدره ثم هو لم يحفظالمعروف فرد إلينا الذبحة ووقف فوق رؤوسنا يقهقه تشفياً وشماته
...
عالجناه من آلامه وخففنا من سعاله فوهبنا سعالاً لا شفاء منه
...
كانالشباب يتسكعون في شوارع تل-أبيب, وشواطئ إيلات وفنادق نتانيا وهرتسليا, وحيفا, ونهاريا, وطبريا, فغسلناهم سبع مرات كما تغسل الكعبة, ودبجنا لهمالسجوع والمعلّقات, والقصائد المذهّبة, وحتى لا يعودوا لمثلها قدمنا لهمالبدائل... فرشنا الورود في دروبهم... وحتى لا يعودوا الى رحلة التشريد... بنينا المجمّعات والمساجد والمنتديات والوعي والإصرار والثقة بالنفس... بنينا لهم مؤسسات مهيبة كعرائن الأسود والفهود والنمور
....
ولكن ها هو الوطن... تحوّل إلى مساحة حقد وكراهية... غالبيته يتآمر علينا
..!
وبلسانالمواطن المتفائل بالمستقبل رغم كثرة الدعاوى والشكايات والآلام, إنفجرتُفي وجهه غاضباً ومزمجراً كالليث الهصور:" المرحلة ليست مرحلة انزواءوانكفاء على الذات, وصومعة, وإنصراف عن الزمن
...
من يقاتل التواءات النفس إن غِبنا عن الساحة ؟؟؟

منيقاتل العدوّ الذي يتعقّبنا كظلنا ويقف عن أيماننا وشمائلنا إن لم نكننحن؟؟؟ من يتصدى للبراكين والزلازل ويوقف مدّها إن لم يكن الأخصائيونوالراصدون المهرة؟؟؟
إنّ كل هذه الحفر والأخاديد, والآهات, والاتجاهات والإشارات الضوئية الحمراء في الطريق, يجب ألا تجعلنا نحيد عنالمسار خطوة واحدة فيد أنملة
!!
وكل هذه الزوابع والأمطار والأمواج العاتية يجب ألا تبللنا بقطرة واحدة
...
وكل هذه المستنقعات والعلل, والأسقام والملوثات, والنفايات, والقمامات, والرياح, والبرد والثلوج يجب ألا تصيبنا حتى بالزكام
...
فقدرنا أن لا نظل نغرق حتى النهاية فحسب, بل أن ننزف
...
قال لي بصوت لا يكاد يسمع :" يا أخي إن كان لك دمعة فقد ملأت الأرض دموعاً؟

إن نزفت منك ذرفة ألم فرصيدي منها المئات؟...
إن كان معك ذبحة صدرية واحدة فمعي منها ذبحات؟
....
لم لا ترافقني الطريق؟ كن رفيقي في رحلة إنزوائي ورهبانيتي, السياسية والاجتماعية
..."
قلت له:"بل انهض معي ولنعانق معاً الطريق, ولنلملم معاً الشعث
...
نحن لسنا بحاجة إلى وردة لنكتب عن الربيع القادم... نحن بحاجة إلى عمل يحمل معنى الربيع... إلى علمِ عمليّ نتلقاه بنية التنفيذ
...
انهض... مع الإلحاح والمثابرة والجد نصلح عثرات الطريق... اعوجاج منعطفاته... أبناء هذا الوطن المكلوم بألف جرح يعيشون حالة جفاف ولا أشد منها... همبانتظار كل جهد مبارك يُسقط عليهم غيثاً
"...
***
فيا رب
:
انالرياح تعصف والثلوج تتساقط على رؤوسنا والحمم البركانية تحرق أجسادنالأجل هذا الوطن لأنه وطن, ولأننا وكلنا بحراسة ثغوره دفنا في جوفناكستناءاتنا العاطفية لأجل عيونه وآثرنا الانتظار
...
يا رب المستضعفين
:
أعنا على مواجهة الواقع وتحمل الكي والجوع والعطش والأمراض المزمنة والحرمان
...
أعدنا أن نظل للقدس وغزة سواعدها الأبية... أن لا نرد سائلاً, أو ننهر يتيماً
...
يا رب
:
دموعنابعدد خطايانا, وترددنا بعدد جبهاتنا, وساعات نومنا بعدد كوابيسنا, وكوابيسنا بعدد وسائدنا, وتقلص بلادنا... فأعنا على التقدّم نحو المستقبلقبل أن ندفن في أضرحة التاريخ المندثر, وتتحول هذه الأرض لمجرد ذكرى, والمجاهيل أصعب مما مرّ بنا
...
اللهم إنا نسألك إلتماعة برقِ جديدة, أو أعطنا القدرة لنصنع برقاً اصطناعيا يخرج المتقوقعين من صوامعهم...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق